الفصل الثالث عشر
سفينة تصل إلى الجزيرة
كنت أتوقع رجوع الإسباني ووالد جمعة طيلة أسبوع حين حدث حادث غريب . كنت مستغرقاً في النوم في شبكة النوم في وقت مبكر من الصباح حين أتى جمعة يجري داخلاً وأيقظني .
صاح : " سيدي , سيدي , إنهم قادمون , إنهم قادمون ! "
قفزت واقفاً وجريت خارجاً حالما تمكن من ارتداء ملابسي . لم أتقف حتى لأخذ بندقيتي بل جريت إلى قمة التل ونظرت إلى البحر . رأيت قارباً يبحر نحو الشاطئ . لم يكن من الممكن أن يكون الإسباني يعود , لأنه لم يكن قادماً من اتجاه البر الرئيسي بل من نهاية الجزيرة الجنوبية . ناديت على جمعة وأخبرته أن يبقى إلى جانبي لأن هذا لم يكن القارب الذي كنا نتوقعه . على مسافة أبعد في البحر رأيت سفينة تستقر راسية . نظرت إليها من مرقابي وبدا لي أنه سفينة إنجليزية .
ملأتني رؤية هذه السفينة بالفرح لأنني كنت متيقناً من أنني سأجد أصدقاء على ظهرها . في الوقت نفسه أخبرني شيء ما بأن أكون حذراً . أي عمل يمكن أن يكون لسفينة انجليزية هنا ؟ عرفت أنهم لا يمكن أن يكونوا قد دُفعوا بعاصفة لأن الطقس كان هادئاً تماماً . ربما كانوا هنا لغرض شرير , لم أرد أن أسقط بين يدي لصوص وقتلة .
لم تمض مدة طويلة قبل أن يصل قاربهم إلى الشاطئ على بعد حوالي نصف ميل أعلى الساحل من بيتي . كان هناك أحد عشر رجلاً بدا أنهم إنجليز من مظهرهم . حين قفز الأربعة الأول من القارب أحضروا معهم ثلاثة رجال كسجناء . توقعت أن يُقتل السجناء في أي لحظة وتمنيت لو كان والد جمعة والإسباني لا زالا معي . حضر باقي الطاقم إلى الشاطئ وتفرقوا في اتجاهات مختلفة على طول الشاطئ وفي الغابة . جلس السجنء الثلاثة على الرمل وهم يبدون بلا أمل .
حين وصل القارب كان المد في أعلى ارتفاع له . بينما كان أفراد الطاقم يتجولون حول الشاطئ انحسر المد وغُرز قاربهم بثبات في الرمل . بعد أن حاولوا قدر الإمكان لم يستطع الطاقم تحريك القارب , وبعد وهلة تخلَّوا عن محاولة إعادته للبحر ثانية .
سمعت واحداً منهم يقول : " لنتركه وحده يا جاك , سيطفو في المد التالي . "
طيلة هذا الوقت كنت أراقب ما يحدث من جانب التل . كنت مسروراً من أن بيتي محمي حماية جيدة , لأن الطاقم كانوا سينتظرون عشر ساعات على الأقل قبل أن يطفو قاربهم مرة أخرى . في ذلك الوقت كان يمكنهم بسهولة أن يكتشفوا بيتي ويسرقوا ما لدي من بضاعة . عرفت أنه قبل أن يتمكنوا من المغادرة سيخيم الظلام , فيصبحون ي وضع غير مناسب لهم . خططت لمهاجمتهم عندئذٍ وبدأت أجهز بنادقي للقتال . فعلت هذا باهتمام أعظم مما فعلته عندما هزمت المتوحشين , لأن لدي نوع مختلف من العدو هذه المرة أتعامل معه .
بحلول الساعة الثانية بعد الظهر , أكثر ساعات النهار حرارة , كنت قد أنهيت الاستعداد للقتال . ذهبت لأرى ما إذا كانت هناك أية علامة للمجموعة . لأنني لم أر أي واحداً منهم , افترضت أنهم لابد أن يكونوا كلهم نائمين تحت الأشجار . ثم رأيت السجناء الثلاثة يجلسون تحت شجرة بعد حوال نصف ميل مني . قررت أن أصعد إليهم وأرى ما يمكنني اكتشافه . اقتربت منهم قدر الإمكان دون أن أرى .
صحت بصوت عال وأنا أخطو خارجاً من بين الشجيرات : " من أنتم أيها السادة ؟"
فزعوا من رنة صوتي لكنهم فزعوا أكثر عند ظهوري . لابد أنني بدوت منظراً غريباً بالنسبة إليهم بملابسي المألوفة من جلد الماعز . حدقوا فيَّ بأفواه فارغة . ظننت أنهم على وشك الهرب لذلك تحدثت إليهم بالإنجليزية .
قلت : " يا سادة , لا تندهشوا مني . ربما كنتم رأيتم فيّ صديقاً لم تتوقعونه . :"
أجاب واحد من السجناء : " لابد أنك أتيت من السماء مباشرة , فلا أحد في هذه الأرض يمكنه أن يساعدنا . "
قلت : " كل العون من السماء يا سيدي . قل لي ما هي متاعبكم ؟ رأيتكم حين رسوتم أول مرة ورأيت احداً من الآخرين في القارب يرفع سيفاً كأنه سيقتلكم . "
سأل واحد من السجناء , والدموع تسيل هابطة على وجنتيه : " هل أنا أتكلم إلى إله أو إلى رجل ؟ هل أنت رجل أم ملاك ؟ "
أجبيت : " لا تخف . لو نت إلهاً أو ملاكاً أُرسل لمساعدتكم لجئت مرتدياً ملابسعلى نحو أفضل مما أبدو الآن . أنا رجل , رجل انجليزي , راغب في مساعدتكم , لكن أولاً أريد أن تخبروني كيف أصبحتم سجناء هنا ؟ "
كان الجواب : " وضعنا هو هذا يا سيدي . كنت قبطان السفينة التي تراها راسية في البحر . تمرد رجالي ضدي وكانوا في البداية سيقتلوني . ثم غيروا رأيهم وأحضروني إلى الشاطئ مع اثنين آخرين وهم ينوون تركنا هنا . ظنوا أن الجزيرة غير مأهولة وتوقعوا أننا سنموت هنا لحاجتنا إلى الماء والطعام . "
سألت : " أين الآخرون من السفينة ؟ "
أجاب القبطان مشيراً إلى الأشجار : " إنهم هناك يا سيدي . يجب ألا نتكلم بصوت جداً أو إننا سنوقظهم فيأتون ويقتلوننا كلنا . "
" هل لديهم أي بنادق ؟ "
" فقط اثنتان , وتركوا واحدة منهما في القارب " . حين سألت القبطان عما إذا كان يجب أن نأخذهم كسجناء أو نقتلهم وهم ينامون , أجاب بأنه يريد أن يأسرهم أحياء . اثنان فقط كانا خطرين , واعتقد القبطان أن ذلكما الاثنان إذا أُسرا ورُبطا , فإن البقية سيعودون إلى واجباتهم . لكي لا نُسمع انتقلنا إلى الخلف في الغابة بعيداً عن الرجال النائمين . حين كنا على مسافة آمنة تكلمت إلى القبطان . بدأت : " الآن يا سيدي , إذا أنقذتك , هل أنت موافق على القبول بشروطي ؟ لدي شرطان فقط . الأول هو أنكم بينما تقيمون في هذه الجزيرة ستطيعون الأوامر التي أُصدرها إليكم . إذا أعطيتكم بندقية , فلا تؤذونني أو تؤذوا ممتلكاتي . الشرط الثاني هو أنك إذا استعدت سفينتك ستأخذني وخادمي جمعة إلى إنجلترا . "
أجابني بأنه , وهو يدين بحياته ويظل مديناً لي طالما بقي على قيد الحياة , سيقبل شروطي . حين رضيت بأجوبته أعطيته ثلاثة بنادق خردق جاهزة لإطلاق النار .
قلت : " الآن وقد أصبحت مسلحاً , أخبرني بما يجب أن نفعله بأولئك المتمردين ؟ "
أجاب القبطان : " هناك رجلان يجب ألا نسمح لهم بالهرب في أي حال من الأحوال . إذا فعلنا هذا فإنهما سيعودان إلى السفينة مباشرة ويحضروا باقي الطاقم ليدمرونا كلنا . "
فيما نحن نتكلم استيقظ متمردان ووقفا . بعد أن نظرا حولهما لدقيقة من الزمن أو اثنتين لدآ يتجولان بعيداً داخل الغابة .
سألت القبطان : " هل ذلكما هما الاثنان الخطران ؟ "
أجاب بأنهما لم يكونا كذلك وأن الاثنين الذين نريدهما ما زالا نائمين . أخذ بنادقه الخردق وأعطى بندقية لكل من رفيقيه وبعدئذ سلكا طريقه نحو الرجال النائمين . فيما هم يمشون نحوهم أطلق أحد أفراد المجموعة ضجة . استيقظ أحد النائمين ورأى القبطان ورجاله قادمين . نادى بصوت عال ليوقظ رفيقه , لكن الفرصة فاتت . حتى وهو يصيح بصوت عال أطلق القبطان ورفاقه النار . صوبوا تصويباً جيداً جداً حتى أن كلا قائدي التمرد أصيبا . قُتل أحدهما على الفور وجرح الآخر جرحاً خطيراً .
بدأ الجريح في النداء بصوت عال طلباً للعون . أخبره القبطان بأن الأوان فاته جداً على طلب العون ونصحه أن يطلب من الله أن يصفح عنه . ثم ضربه القبطان بمؤخرة بندقية الخردق على رأسه فلم يتكلم ثانية .
عندئذٍ كان البحاران اللذان تجولا بعيداً داخل الغابة قد عادا وطلبا من القبطان أن يبقي على حياتيهما . على هذا وافق إذا وعدا أن يكونا مخلصين له في المستقبل . جعلهما يعدان أيضاً بأنهم سيساعدانه على العودة إلى السفينة وإبحارها إلى جامايكا . استدار القبطان إلي وسأل ما إذا كنت راغباً في أن يبقي على حياتيهما .
أجبت : " يمكنك أن تبقي على حياتيهما , لكن يجب أن تربط أيديهما وقدميهما أثناء بقاهما في الجزيرة . "
أرسلت جمعة مع أحد رفيقي القبطان إلى قارب المتمردين ليحضر الشراع والمجذافين . في أثناء هذا عاد ثلاثة من أفراد الطاقم , الذين كانوا يتجولون في جزء مختلف من الجزيرة خلال القتال . حين رأوا بأن القبطان كان الآن السيد , استسلما وطلبا الرحمة . ربط جمعة أيديهم وأقدامهم ووضعهم مع السجناء الآخرين.
كنا الآن قد فزنا بالكامل ..
الفصل الرابع عشر
أسر المزيد من المتمردين
عدت بالقبطان إلى بيتي وأريته كل شىء عملته لراحتي وسلامتي . أخبرته أيضاً بالقصة كاملة لوصولي إلى الجزيرة وحياتي فيها . بدا أنه مهتم جداً في كل ما كان يجب أن أريه وأقوله له .
بدوره كان القبطان قلقاً جداً بالنسبة إلى ما يجب عليه أن تكون حركته التالية لاستعادة السيطرة على سفينته . أخبرني بأنه لا يزال هناك ستة وعشرون رجلاً على ظهر السفينة . كانوا قد شاركوا في التمرد ويعرفون أنه , إذا أصبح قبطاناً مرة أخرى , سيُشنقون حالما تصل السفينة إلى أي ميناء انجليزي .
لم نأمل في تحقيق السيطرة على السفينة برجال قلة كهؤلاء , وبدا لي أن من الأفضل أن ننتظر ونرى ما سيحدث بعدئذٍ . كنت متأكداً تقريباً من أن الرجال على ظهر السفينة سيتساءلون عما كان قد حدث لرفاقهم . عاجلاً أو آجلاً سيأتون إلى الشاطئ في قارب آخر للبحث عنهم . لمنعهم من استعمال القارب الأول , حملنا منه كل المعدات وثقبنا ثقباً كبيراً في قاعه . في الوقت نفسه , حملنا القارب إلى مسافة بعيدة جداً إلى أعلى الشاطئ حتى لا يكون من المحتمل أي يجرفه أي مد بعيداً في البحر .
كان هذا عملاً شاقاً وجلسنا لنستريح حين أنهينا عملنا . فيما نحن نجلس لنستريح سمعنا السفينة تطلق النار كإشارة للقارب حتى يعود . حين لم ينطلق أي قارب اُطلق المزيد من الطللقات لكن لم يحدث أي شيء طبعاً . حين وجد أولئك الذين على ظهر السفينة بأنهم لا يلقون أي جواب من الشاطئ أرسلوا مجموعة أخرى إلى الشاطئ . فيما اقترب القارب حاملاً الرجال رأيت خلال المرقاب بأن عشرة رجال فيه , وأنهم كلهم مسلحون ببنادق .
كان القبطان يعرف كل رجل في القارب وأخبرني بأن ثلاثة منهم زملاء شرفاء . أما البقية , خصوصاً القائد , وضابط الأشرعة , فقد كانوا طرين . كان القبطان يخشى أن يسفروا عن أنهم أقوى منا .
كان أول ما يجب فعله هو إخفاء السجناء , وهكذا أخذهم جمعة إلى كهفي . تركهم هناك مع خبز ومياه كافيين لثلاثة أيام . وعد بأنه إذا سار كل شيء على ما يرام , فإن سراحهم سيُطلق خلال ثلاثة أيام , لكن إذا حاولوا الهرب فإنهم سيقتلون مباشرة .
أطلق سراح اثنين من السجناء الذين تكلم عنهم القبطان , وعدا كلاهما في أن يكونا ماليين للقبطان ووافقا أن يقاتلا إلى جانبنا . نكون معهما , والقبطان ورجاله الاثنان , وأنا وجمعة سبعة رجال , وكلنا جيدوا التسلح .
حالما وصل اربهم إلى الشاطئ سحبه الطاقم إلى أعلى الشاطئ ثم جروا إلى القارب الآخر . اندهشوا اندهاشاً لا مزيد عليه وهم يجدون بأنه كان فارغاً وأنه كان هناك ثقباً كبيراً في قاعه .
صرخوا بأعلى أصواتهم محاولين أن يُسمعوا رفاقهم . حين لم يتلقوا أي جواب , أطلقوا كاهم نار بنادقهم . رنت الغابة بأصداء طلقاتهم , لكن أحداً لم يجب . حين رأى الرجال من السفينة أنهم لا يتلقون أي جواب لنداءاتهم انطلقوا بقاربهم ثانية وجذفوا عائدين إلى السفينة . علمنا فيما بعد بأنهم فكروا بأن رفاقهم قد قتلوا .
لم يمض وقت طويل قبل أن يعودوا مرة أخرى . كان لديهم هذه المرة خطة جديدة . وصل سبعة من الرجال إلى الشاطئ للبحث عن رفاقهم بينما بقي الثلاثة الآخرون في القارب . فيما كان القارب يرسو على مسافة قريبة من الشاطئ شكل لنا هذا مشكلة جديدة . لن يكون عوناً لنا أن نأسر الرجال السبعة الذين كانوا قد سبق وحلوا في هذا الشاطئ . لو فعلنا هذا فإن أولئك الذين في القارب سيجذفون عائدين إلى السفينة ويبحرون بعيداً . لم يكن أمامنا أي خيار سوى أن نصبر وننتظر فرصتنا .
لم يتفرق الرجال السبعة بل ساروا معاً إلى أعلى التل فوق بيتي . رأيناهم بوضوح تام مع أنهم لم يرونا . كانوا بعيدين جداً عنا فلا نقدر أن نطلق النار عليهم , لكنهم كانوا قريبين جداً ليخرجوا من المخبأ .
حين أت الرجال السبعة إلى حيث يمكنهم أن يروا جزءاً كبيراً من الجزيرة , نادوا بصوت عالٍ إلى أن تعبت أصواتهم . بدا أنهم لم يريدوا أن يختفوا عن أنظار الشاطئ . حين لم يتلقوا أي جواب لندائهم , جلسوا تحت شجرة ايقرروا ما يفعلونه بعدئذٍ . فكرنا : لو أنهم ينامون فقط , سيكون من السهل القبض عليهم , لكنهم كانوا حذرين جداً من خطر محتمل لهذا .
تماماً فيما نحن نفكر أن لا شيء يمكن أن يُفعل قبل الظلام . نهضت المجموعة وبدأت تسلك طريقها عائدة إلى الشاطئ . بطريقة ما كان علينا أن نمنع حدوث هذا . أمرت جمعة ووكيل القبطان أن يذهبا إلى الغابة لمسافة نصف ميل ومن ثم يناديان بصوت عال قدر ما يستطيعان . حالما أجاب البحارة كان عليهم أن ينادوا ثانية . بفعلهم هذا , لابد أنهم سيجرون الرجال السبعة إلى مسافة أبعد فأبعد عن الشاطئ .
كان البحارة قد وصلوا إلى القارب فعلاً وكانوا على وشك تسلقه والدخول إليه حين نادى جمعة ووكيل القبطان بصوت عال . كانا على الجانب المقابل من الخليج , لكن البحارة أحضروا القارب من الجهة الآخرى وربطوه إلى شجرت ضغير على الضفة . هذا ما أردته تماماً . بينما كان وكيل القبطان وجمعة يسحبان البحارة بعيداً عن قاربهم , أخذت باقي رجالي وأسرت القارب بسرعة . كان أحد الرجال الذين كان من المفترض أن يحرس القارب نائم على الشاطئ , واستسلم الآخرون حين رأوا كم كنا مسلحين تسليحاً جيداً .
تابع جمعة ووكيل القبطان النداء وجرّا الرجال إلى أن وصلوا إلى منتصف الغابة . هناك تركا الرجال السبعة تعبين جداً وعلى مسافة طويلة من الشاطئ . كانوا متأكدين من أن البحارة لن يصلوا إلى قاربهم مرة أخرى قبل أن يحل الظلام .
حين تركوا البحارة , عاد جمعة ورفيقه وانضما إلى بقيتنا على مسافة ليست بعيدة عن الشاطئ . كانت قد مضت ساعات عديدة بعد هذا تمكن البحارة أثناءها من أن يجدوا طريقهم للعودة إلى الخليج حيث تركوا قاربهم . سمعناهم يعودون من خلال الغابة . كان الذين في المقدمة يحثون عن الذين في المؤخرة على أن يسيروا بسرعة أكبر . كانوا كلهم يتذمرون من أقدامهم المتقرحة .
تأكدنا من أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى تلك السفينة في تلك الليلة . حين اكتشف البحارة هذا , انزعجوا انزعاجاً شديداً . قال أحدهم إن الجزيرة مليئة بالأرواح الشريرة , بينما صرح آخر بأنهم سيُقتلون كلهم .
أراد رجالي أن يهاجموا على الفور , لكن , لأنني أردت أن أقتل قادة التمرد فقط , أمرتهم أن ينتظروا . لم يمض طويل من الوقت قبل أن تظهر فرصة مناسبة . أتى ضابط الأشرعة ماشياً نحونا بصحبة اثنين . كان القبطان متلهفاً لهفة كبيرة لإطلاق النار على أعدائه حتى أنه بالكاد انتظر اقتراب ضابط الأشرعة قرباً كافياً للتأكد من قتله . أقرب فأقرب , أتى الرجال الثلاثة . فجأة , لم يعد القبطان يستطيع أن ينتظر أكثر وقفز على قدميه وأطلق النار . في الوقت نفسه أطلق جمعة النار أيضاً . سقط ضابط الأشرعة ميتاً وسقط الرجل التالي له جريحاً ومات بعد وقت قصير . جرى الرجل الثالث مبتعداً بأسرع ما أمكنه هذا .
تقدم بقيتنا نحو البحارة الآخرين . وحيث أن الظلام كان يخيم لم يروا كم كان عددنا قليل . ذهب الرجل الذي أسرناه في القارب إلى المقدمة . أمرته أن ينادي على أحد البحارة بالاسم . أردت أن نتكلم معهم حتى نتوصل إلى تفاهم معه .
نادى بأعلى صوت أمكنه إطلاقه : " توم سميث ! توم سميث ! "
" هلهذا أنت يا روبنسون ؟ "
أجاب الرجل الآخر : " نعم , هو أنا . من أجل الله يا توم سميث , ارموا ببنادقكم وإلا ستُقتلون كلكم . "
سأل توم سميث : " أين أنت , ,غلى من يجب أن نستسلم ؟ "
" نحن هنا . وهاهنا قبطاننا . لديه خمسون رجلاً هنا ظلوا يبحثون عنكم طيلة الساعتين الاضيتين هاتين . ضابط الأشرعة قُتل , ويل فراي جريح وأنا سجين . إذا لم تستسلموا ستضيعون كلكم . "
سأل توم سميث والشك يساوره : " هل سيُظهرون لنا الرحمة إلا استسلمنا ؟ "
إجابةً على هذا نادى القبطان نفسه بصوت عال .
" أنت يا سميث , أنت تعرف صوتي . أعد أنكم إذا ألقيتم بأسلحتكم على الأرض على الفور واستسلمتم , سأبقي على حياتكم كلكم ما عدا ويل أتنكس . "
صاح ويل أتنكس : " لماذا , ما الذي فعلته ؟ كانوا كلهم سيئين قدر ما كنت أنا . "
لم يكن هذا صحيحاً حين أن ويل أتنكس كان أو من تمرد ضد القبطان . أخبره القبطان بصرامة بأنه يجب أن يستسلم مع البقية وأن يثق برحمة حاكم الجزيرة . بهذا عناني أنا . استسلموا كلهم وتوسلوا طالبين أن نُبقي على حياتهم .
خاطب القبطان الآن رجاله .
قال : " كنتم كلكم بلهاء جداً وشريرين . ما لم تغيروا طرقكم إلى حد كبير ستُشنقون . حين أحضرتموني هنا إلى الجزيرة فكرتم أم لا أحد يعيش في الجزيرة وأنني لابد أن أموت جوعاً هنا . لكنكم ارتكبتم غلطة كبيرة . لهذه الجزيرة حاكم انجليزي وأنتم الآن سجناؤه . من المحتمل أن يرسلكم كلكم إلى إنكلترا حيث سُتعامل معكم طبق القانون . أما بالنسبة لك يا ويل أتنكس , قلا تتوقع أي رحمة . أنصحك أن تستعد للموت حيث أن الحاكم أمر أن تُشنق في الصباح . "
سقط ويل أتنكس أمام قدمي القبطان وتوسل إليه أن يستعمل تأثيره على الحاكم حتى تُبقى على حياته . توسل كل الآخرون بألا يرسلوا إلى إنكلترا كسجناء .
كنت متلهفاً في أسر السفينة حتى أغادر الجزيرة أخيراً . أرسلت وراء القبطان وأخبرته عن خططي للإمساك بالسفينة . فكر أن خططي كانت جسدة وأنه سيساعدني في تنفيذها . قسمنا السجناء إلى مجموعتين . احتوت المجموعة الأولى أخطر الرجال وأرسلناهم إلى الكهف , وأيديهم مربوطة ربطاً شديداً . أرسلا الآخرين إلى بيتي الآخر في منتصف الجزيرة .
في لصباح , ذهب القبطان ليرى كل السجناء . أخبرهم أن حاكم الجزيرة وعد أن يُبقي على حياتهم طالما بقوا في الجزيرة . حالما يعودون إلى إنكلترا سيوضعون في السجن . إذا ساعدوه على أسر السفينة فإنه سيبذل أقضى ما يستطيع لإنقاذ حياتهم . يمكنك أن تحزر كم كان السجناء متلهفين لقبول عرض القبطان . وعدوا لا أن يساعدوه على لاقبض على السفينة فقط , بل في أن يظلوا مخلصين له بقية حياتهم .
قال القبطان : " حسناً , يجب أن أذهب إلى الحاكم وأخبره بما تقولونه وأرى ما الذي يمكن أن يُفعل لمساعدتكم . "
هكذا عاد إلي مع وصف لما تبادله من كلام مع الرجال . أردت أن أكون متيقناً تماماً من أنهم يمكن الوثوق بهم .
أمرت : " عد إل السجناء واختر خمسة من مساعديك . يمكنك أن تخبرهم بأن أولئك الذين تركوا في الطهف سيُعاملون كرهائن . إذا برهن أشخاص الذين تختارهم بأنهم غير مخلصين , عندئذٍ سأشنقهم كلهم أولئك الذين في الكهف أيضاً . "
بدا هذا قاسياً , لكن كان علي أن أظهر للرجال بأنني أتعامل مع هذا الموضوع بجدية كبيرة . لم يكن لديهم أي خيار سوى أن يقبلوا بشروطي . أصبح الآن من مصلحة الرجال في الكهف إضافة إلى القبطان أن يقنعوا الرجال الخمسة المختارين بأن يقوموا بواجبهم بإخلاص .
الفصل الخامس عشر
إعادة أسر السفينة
أصبح لدى القبطان الآن اثنا عشر رجلاً في مجموعته . كان على جمعة وعلي أن نبقى في الجزيرة إلى أن يُعاد أسر السفينة . في أثناء هذا راقب جمعة السجناء وأخذ إليهم الطعام والماء.
قسم القبطان رجاله إلى مجموعتين . هو ورفيقه لديهما خمس رجال معهما في قاربهما . ذهب البقية في القارب الذاني الذي أصلحوه .انتظرا إلى أن حل الظلام قبل أن ينطلقوا إلى السفينة . في منتصف الليل وصلوا ضمن مسافة نداء . حمل القبطان روبنسون على أن ينادي بصوت عالٍ على أولئك الذين في ظهر السفينة .
قال:"وجدنا رفاقنا وقاربهم . لكن الجزيرة مكان رهيب وقد استغرقنا كل هذا الوقت لفعل هذا. "
بهذه الطريقة أبقى الرجال على ظهر السفينة يتكمون إلى أن وصلت قواربنا إلى جانب السفينة .
ثم قفز القبطان ووكيله بسرعة على ظهر السفينة وطُرحا أرضاً رجلين اثنين الذين قابلاهما . أُسر البحارة كلهم الذين كانوا على سطح السفينة . أغلقت مجموعة القبطان الأبواب المؤدية إلى أسفل وثبتتها , حتى لا يستطيع باقي الطاقم من الخروج . حين تم هذا أمر القبطان وكيله والرجال الثلاثة أن يقتحموا القمرة الخلفية . هنا كان بحار آخر قائداً في التمرد نائم . أيقظته ضجة القتال ووصل إلى بندقيته . معه كان هناك رجلان وصبي , كلهم كانوا مسلحين .
جرى الوكيل إلى الباب مع قضيب حديدي وشق الخشب . لم يكن من السهل هزيمة أولئك الذين كانوا في الداخل فأطلقت النار على الوكيل ورجاله . جُرح الوكيل بطلقة كسرت ذراعه , وجُرح اثنان من مجموعته أيضاً . لحسن الحظ لم يُقتل أحد . مع أن الوكيل جُرح , إلا أنه نادى بصوت عال طالباً من الرجال أن يتبعوه من خلال الباب المكسور . اندفع إلى داخل القمرة الخلفية وأطلق على القائد النار في رأسه .
كانت هذه نهاية التمرد لأنه , بموت هذا الرجل , استسلم باقي الطاقم . حالما أسرت السفينة أمر القبطان سبع بنادق أن تُطلق نارها . كانت هذه هي الإشارة التي اتفقنا على إطلاقها حالما ينجحون . كنت مسروراً جداً في أن أسمع البنادق تنطلق . كنت أجلس على الشاطئ لمدة ساعتين بالتمام منتظراً أن أعرف نتيجة المعركة .
بعد هذا ذهبت إلى الفراش . مررت بوم طويل ومتعب وسرعان ما نمت . حين استيقظت في الصباح كان القبطان ينادي .
قال : " يا حاكم , يا حاكم , تعال وانظر إلى سفينتك . "
اقتادني إلى أعلى التل وأشار إلى البحر .
صرح : " هناك هي . إنها كلها لك وكذلك نحن وكل ما يعود إليها . "
نظرت وهناك كانت السفينة على بعد ما يزيد عن نصف ميل بقليل من الشاطئ . حالما تولى القبطان المسؤولية ثانية رفع المرساة واقترب بالسفينة من الشاطئ إلى أقرب مسافة ممكنة .
كان الآن كل شيء جاهزاً لإنقاذي من الجزيرة . ها هنا سفينة جاهزة وتنتظر أن تأخذني إلى إنكلترا . بعد كل هذه السنين كان التفكير يكاد يكون أكثر من اللازم بالنسبة إلي . فلبعض الوقت لم أستطع أن أجيب القبطان . لو لم يأخذني بين ذراعيه لكنت سقطت على الأرض كما ظننت . أخرج القبطان قنينة روم من جيبه وأعطاني لأشربه . بعد أن شربت الروم جلست على صخرة . قال القبطان أشياء كثيرة لطيفة لي ليساعدني على التغلب على عواطفي , لكن هكذا كان تدفق الفرح داخلي حتى أنني انفجرت بالدموع .
بعد أن كنا قد تكلمنا لبعض الوقت قال القبطان بأنه أحضر لي بعض الطعام وأشياء مفيدة أخرى من السفينة . أحضر لي بعض نبيذ ماديرا وبعض التبغ . لم أر أياً من هذه الأشياء كل السنين التي أمضيتها في الجزيرة . ثم أتت ستة أضلع من لحم بقر وستة أضلع من لحم خنزير وبسكوت وسكر وأشياء أخرى كثيرة .
إضافة إلى الطعام كانت هناك بعض الملابس الجديدة . كانت هذه بالنسبة إلي قيمة حتى أكثر من أروع طعام . كانت هناك ستة قمصان جديدة , ستة أوشحة , زوجا قفازات , حذاء وقبعة وبذلة ملابس كانت جديدة تقريباً . بكلمة واحدة , كسوت من الرأس إلى القدم , شعرت بأنني غريب حقاً عندما ارتديت هذه الملابس . لم أرتد ملابس كهذه حيث أن الملابس الأخرى كانت قد اهترأت بعد أن أتيت إلى الجزيرة تماماً .
بدأنا نفكر بالذي يجب أن نفعله بسجنائنا . قال القبطان بأننا إذا أخذنا أسوأ اثنين فإن علينا أن نبقيهما ونقفل عليهما حتى نبلغ مستوطنة إنجليزية . كان يمكننا عندئذ أن نسلمها إلى حاكم ليتعامل معهما طبقاً لقوانين تلك البلاد . عنى هذا تقريباً الموت لهما , وفكرت بأنهما قد يفضلان أن يبقيا في الجزيرة إذا أعطي لهما الخيار . حين اقترحت هذا على القبطان وافق , وهكذا أرسلت جمعة ليعيد كل السجناء إلينا .
حين حل السجناء كلهم إلينا , تكلمت إليهم .
أخبرتهم : " أنا حاكم هذه الجزيرة , وأنت يا قبطان أخبرتني بكل شيء عنهم . أنا أعرف بأنكم اشتركتم في التمرد وكنتم تخططون لتصبحوا قراصنة . لقد أمسكت بالسفينة , وأفراد الطاقم كلهم الذين استركوا في التمرد إذا ماتوا أو استسلموا . كحاكم لهذه الجزيرة , لدي صلاحية شنقكم . هل لديكم أي شيء يوجب على ألا أفعل هذا بكم ؟ "
في الوقت نفسه جعلتهم يفهمون أنه ستبقى على حياتهم إذا وافقوا على أن يُتركوا في الجزيرة حين تبحر السفينة . وافقوا كلهم بسرعة أنهم يفضلون أن يبقوا على أن يُشنقوا . أخبرتهم بأننا ونحن نترك الجزيرة سنطلق سراحهم ونعطيهم بعض البنادق والذخيرة .
قادهم جمعة بعيدا والتفتُّ إلى القبطان لأتكلم إليه . أخبرته بأنني سأحتاج إلى بعض الوقت لأجهز بعض الأشياء لأغادر الجزيرة . كانت هناك الكثير من الممتلكات التي أردت أن آخذها معي لتذكرني بسنِّي في الجزيرة . أردت أن أمضي ليلتي الأخيرة في الجزيرة بينما يعد القبطان السفينة للرحلة . طلبت منه أن يرسل القارب لي في الصباح التالي . طلبت منه أيضاً أن يعلق جثة الرجل الذي قُتل رمياً بالرصاص في القمرة الخلفية على عارضة السارية حتى يراها الكل.
عاد القبطان إلى السفينة وبعد وقت قصير راقبت الرجال يرفعون الجثة إلى عارضة السارية . ذهبت إلى السجناء وأريتهم ما كان قد حدث لرفيقهم . حذتهم بأن هذا سيكون مصيرهم أيضاً إذا عادوا إلى السفينة . ثم أخبرتهم بكل ما أستطيع قوله عن الجزيرة حتى أنه لم يكن من الصعب جداً عليهم أن يعيشوا هناك . أريتهم كيف خبزت خبزي وجففت زبيبي . أخبرتهم عن قطيع الماعز وأين أعيش . أخبرتهم أيضاً عن الستة عشر إسبانياً المتوقع منهم أن يصلوا إلى الجزيرة في وقت قريب جداً .
في الصباح التالي أتى قارب من السفينة ليأخذني من الجزيرة لآخر مرة . مع أنني كنت سعيداً في التفكير في العودة مرة أخرى إلى إنكلترا , إلا أنه لم يكن سهلاً علي ترك الجزيرة . ظلت بيتي طيلة ثمانيو وعشرين سنة وعشت هناك بسعادة أكثر وراحة أكثر مما تخيلت في أي وقت من الأوقات . كان الله طيباً معي . لم ينقذني فقط من الغرق بل حماني أيضاً من المتوحسين الذين زاروا الجزيرة . وها هو الله الآن أحضر لي سفينة كانت على وشك أن تأخذني إلى بلادي .
قوطعت هذه الأفكار بوصول الرجال الذين كنا سنترككهم في الجزيرة . كنت قد وعدت قبل أن أغادر أنني سأعطيهم سيفي وبنادقي . كان لدي القليل جداً من الذخيرة التي بقيت , لكنني وعدت أن أطلب من القبطان أن يرسل إليهم إمداداً أكثر حالما نكون كلنا سالمين على ظهر السفينة .
كانت مهمتي التالية أن نضع في القارب كل الأشياء التي كنت أريد أن آخذها من الجزيرة . تضمنت هذه قبعتي من جلد الماعز ومظلتي . وأخذت معي أيضاً كل النقود التي أخذتها من السفينة الإسبانية . كانت قاتمة اللون وصدئة حتى كلن من الصعب تمييزها كفضة إلا بعد أن صُقلت .
أخيراً كنت مستعداً إلى أن أغادر الجزيرة وأصل إلى القارب . دفع الرجال لقارب بعيداً عن الشاطئ وبدأوا يجذفون إلى السفينة . فيما نحن نرحل أتى رجلان من الجزيرة يسبحان نحونا . رجانا أن ندعهما يأتيان إلى السفينة لأنهما كانا خائفين من أنهما سيقتلان إذا بقيا في الجزيرة . لم يرد القبطان أن يأخذهما في البداية , لكنه أُقنع أخيراً .
هكذا تركت الجزيرة في التاسع عشر من كانون الأول 1686 , كان هذا اليوم هو اليوم نفسه من الشهر الذي هربت فيه هروبي الأول من مغاربة سالي قبل سنين عديدة . وصلت السفينة إلى إنكلترا بعد رحلة طويلة في الحادي عشر من حزيران 1686 . برحمة من الله عدت إلى الوطن مرة أخرى بعد خمسة وثلاثين عاماً .
تمت ..
سفينة تصل إلى الجزيرة
كنت أتوقع رجوع الإسباني ووالد جمعة طيلة أسبوع حين حدث حادث غريب . كنت مستغرقاً في النوم في شبكة النوم في وقت مبكر من الصباح حين أتى جمعة يجري داخلاً وأيقظني .
صاح : " سيدي , سيدي , إنهم قادمون , إنهم قادمون ! "
قفزت واقفاً وجريت خارجاً حالما تمكن من ارتداء ملابسي . لم أتقف حتى لأخذ بندقيتي بل جريت إلى قمة التل ونظرت إلى البحر . رأيت قارباً يبحر نحو الشاطئ . لم يكن من الممكن أن يكون الإسباني يعود , لأنه لم يكن قادماً من اتجاه البر الرئيسي بل من نهاية الجزيرة الجنوبية . ناديت على جمعة وأخبرته أن يبقى إلى جانبي لأن هذا لم يكن القارب الذي كنا نتوقعه . على مسافة أبعد في البحر رأيت سفينة تستقر راسية . نظرت إليها من مرقابي وبدا لي أنه سفينة إنجليزية .
ملأتني رؤية هذه السفينة بالفرح لأنني كنت متيقناً من أنني سأجد أصدقاء على ظهرها . في الوقت نفسه أخبرني شيء ما بأن أكون حذراً . أي عمل يمكن أن يكون لسفينة انجليزية هنا ؟ عرفت أنهم لا يمكن أن يكونوا قد دُفعوا بعاصفة لأن الطقس كان هادئاً تماماً . ربما كانوا هنا لغرض شرير , لم أرد أن أسقط بين يدي لصوص وقتلة .
لم تمض مدة طويلة قبل أن يصل قاربهم إلى الشاطئ على بعد حوالي نصف ميل أعلى الساحل من بيتي . كان هناك أحد عشر رجلاً بدا أنهم إنجليز من مظهرهم . حين قفز الأربعة الأول من القارب أحضروا معهم ثلاثة رجال كسجناء . توقعت أن يُقتل السجناء في أي لحظة وتمنيت لو كان والد جمعة والإسباني لا زالا معي . حضر باقي الطاقم إلى الشاطئ وتفرقوا في اتجاهات مختلفة على طول الشاطئ وفي الغابة . جلس السجنء الثلاثة على الرمل وهم يبدون بلا أمل .
حين وصل القارب كان المد في أعلى ارتفاع له . بينما كان أفراد الطاقم يتجولون حول الشاطئ انحسر المد وغُرز قاربهم بثبات في الرمل . بعد أن حاولوا قدر الإمكان لم يستطع الطاقم تحريك القارب , وبعد وهلة تخلَّوا عن محاولة إعادته للبحر ثانية .
سمعت واحداً منهم يقول : " لنتركه وحده يا جاك , سيطفو في المد التالي . "
طيلة هذا الوقت كنت أراقب ما يحدث من جانب التل . كنت مسروراً من أن بيتي محمي حماية جيدة , لأن الطاقم كانوا سينتظرون عشر ساعات على الأقل قبل أن يطفو قاربهم مرة أخرى . في ذلك الوقت كان يمكنهم بسهولة أن يكتشفوا بيتي ويسرقوا ما لدي من بضاعة . عرفت أنه قبل أن يتمكنوا من المغادرة سيخيم الظلام , فيصبحون ي وضع غير مناسب لهم . خططت لمهاجمتهم عندئذٍ وبدأت أجهز بنادقي للقتال . فعلت هذا باهتمام أعظم مما فعلته عندما هزمت المتوحشين , لأن لدي نوع مختلف من العدو هذه المرة أتعامل معه .
بحلول الساعة الثانية بعد الظهر , أكثر ساعات النهار حرارة , كنت قد أنهيت الاستعداد للقتال . ذهبت لأرى ما إذا كانت هناك أية علامة للمجموعة . لأنني لم أر أي واحداً منهم , افترضت أنهم لابد أن يكونوا كلهم نائمين تحت الأشجار . ثم رأيت السجناء الثلاثة يجلسون تحت شجرة بعد حوال نصف ميل مني . قررت أن أصعد إليهم وأرى ما يمكنني اكتشافه . اقتربت منهم قدر الإمكان دون أن أرى .
صحت بصوت عال وأنا أخطو خارجاً من بين الشجيرات : " من أنتم أيها السادة ؟"
فزعوا من رنة صوتي لكنهم فزعوا أكثر عند ظهوري . لابد أنني بدوت منظراً غريباً بالنسبة إليهم بملابسي المألوفة من جلد الماعز . حدقوا فيَّ بأفواه فارغة . ظننت أنهم على وشك الهرب لذلك تحدثت إليهم بالإنجليزية .
قلت : " يا سادة , لا تندهشوا مني . ربما كنتم رأيتم فيّ صديقاً لم تتوقعونه . :"
أجاب واحد من السجناء : " لابد أنك أتيت من السماء مباشرة , فلا أحد في هذه الأرض يمكنه أن يساعدنا . "
قلت : " كل العون من السماء يا سيدي . قل لي ما هي متاعبكم ؟ رأيتكم حين رسوتم أول مرة ورأيت احداً من الآخرين في القارب يرفع سيفاً كأنه سيقتلكم . "
سأل واحد من السجناء , والدموع تسيل هابطة على وجنتيه : " هل أنا أتكلم إلى إله أو إلى رجل ؟ هل أنت رجل أم ملاك ؟ "
أجبيت : " لا تخف . لو نت إلهاً أو ملاكاً أُرسل لمساعدتكم لجئت مرتدياً ملابسعلى نحو أفضل مما أبدو الآن . أنا رجل , رجل انجليزي , راغب في مساعدتكم , لكن أولاً أريد أن تخبروني كيف أصبحتم سجناء هنا ؟ "
كان الجواب : " وضعنا هو هذا يا سيدي . كنت قبطان السفينة التي تراها راسية في البحر . تمرد رجالي ضدي وكانوا في البداية سيقتلوني . ثم غيروا رأيهم وأحضروني إلى الشاطئ مع اثنين آخرين وهم ينوون تركنا هنا . ظنوا أن الجزيرة غير مأهولة وتوقعوا أننا سنموت هنا لحاجتنا إلى الماء والطعام . "
سألت : " أين الآخرون من السفينة ؟ "
أجاب القبطان مشيراً إلى الأشجار : " إنهم هناك يا سيدي . يجب ألا نتكلم بصوت جداً أو إننا سنوقظهم فيأتون ويقتلوننا كلنا . "
" هل لديهم أي بنادق ؟ "
" فقط اثنتان , وتركوا واحدة منهما في القارب " . حين سألت القبطان عما إذا كان يجب أن نأخذهم كسجناء أو نقتلهم وهم ينامون , أجاب بأنه يريد أن يأسرهم أحياء . اثنان فقط كانا خطرين , واعتقد القبطان أن ذلكما الاثنان إذا أُسرا ورُبطا , فإن البقية سيعودون إلى واجباتهم . لكي لا نُسمع انتقلنا إلى الخلف في الغابة بعيداً عن الرجال النائمين . حين كنا على مسافة آمنة تكلمت إلى القبطان . بدأت : " الآن يا سيدي , إذا أنقذتك , هل أنت موافق على القبول بشروطي ؟ لدي شرطان فقط . الأول هو أنكم بينما تقيمون في هذه الجزيرة ستطيعون الأوامر التي أُصدرها إليكم . إذا أعطيتكم بندقية , فلا تؤذونني أو تؤذوا ممتلكاتي . الشرط الثاني هو أنك إذا استعدت سفينتك ستأخذني وخادمي جمعة إلى إنجلترا . "
أجابني بأنه , وهو يدين بحياته ويظل مديناً لي طالما بقي على قيد الحياة , سيقبل شروطي . حين رضيت بأجوبته أعطيته ثلاثة بنادق خردق جاهزة لإطلاق النار .
قلت : " الآن وقد أصبحت مسلحاً , أخبرني بما يجب أن نفعله بأولئك المتمردين ؟ "
أجاب القبطان : " هناك رجلان يجب ألا نسمح لهم بالهرب في أي حال من الأحوال . إذا فعلنا هذا فإنهما سيعودان إلى السفينة مباشرة ويحضروا باقي الطاقم ليدمرونا كلنا . "
فيما نحن نتكلم استيقظ متمردان ووقفا . بعد أن نظرا حولهما لدقيقة من الزمن أو اثنتين لدآ يتجولان بعيداً داخل الغابة .
سألت القبطان : " هل ذلكما هما الاثنان الخطران ؟ "
أجاب بأنهما لم يكونا كذلك وأن الاثنين الذين نريدهما ما زالا نائمين . أخذ بنادقه الخردق وأعطى بندقية لكل من رفيقيه وبعدئذ سلكا طريقه نحو الرجال النائمين . فيما هم يمشون نحوهم أطلق أحد أفراد المجموعة ضجة . استيقظ أحد النائمين ورأى القبطان ورجاله قادمين . نادى بصوت عال ليوقظ رفيقه , لكن الفرصة فاتت . حتى وهو يصيح بصوت عال أطلق القبطان ورفاقه النار . صوبوا تصويباً جيداً جداً حتى أن كلا قائدي التمرد أصيبا . قُتل أحدهما على الفور وجرح الآخر جرحاً خطيراً .
بدأ الجريح في النداء بصوت عال طلباً للعون . أخبره القبطان بأن الأوان فاته جداً على طلب العون ونصحه أن يطلب من الله أن يصفح عنه . ثم ضربه القبطان بمؤخرة بندقية الخردق على رأسه فلم يتكلم ثانية .
عندئذٍ كان البحاران اللذان تجولا بعيداً داخل الغابة قد عادا وطلبا من القبطان أن يبقي على حياتيهما . على هذا وافق إذا وعدا أن يكونا مخلصين له في المستقبل . جعلهما يعدان أيضاً بأنهم سيساعدانه على العودة إلى السفينة وإبحارها إلى جامايكا . استدار القبطان إلي وسأل ما إذا كنت راغباً في أن يبقي على حياتيهما .
أجبت : " يمكنك أن تبقي على حياتيهما , لكن يجب أن تربط أيديهما وقدميهما أثناء بقاهما في الجزيرة . "
أرسلت جمعة مع أحد رفيقي القبطان إلى قارب المتمردين ليحضر الشراع والمجذافين . في أثناء هذا عاد ثلاثة من أفراد الطاقم , الذين كانوا يتجولون في جزء مختلف من الجزيرة خلال القتال . حين رأوا بأن القبطان كان الآن السيد , استسلما وطلبا الرحمة . ربط جمعة أيديهم وأقدامهم ووضعهم مع السجناء الآخرين.
كنا الآن قد فزنا بالكامل ..
الفصل الرابع عشر
أسر المزيد من المتمردين
عدت بالقبطان إلى بيتي وأريته كل شىء عملته لراحتي وسلامتي . أخبرته أيضاً بالقصة كاملة لوصولي إلى الجزيرة وحياتي فيها . بدا أنه مهتم جداً في كل ما كان يجب أن أريه وأقوله له .
بدوره كان القبطان قلقاً جداً بالنسبة إلى ما يجب عليه أن تكون حركته التالية لاستعادة السيطرة على سفينته . أخبرني بأنه لا يزال هناك ستة وعشرون رجلاً على ظهر السفينة . كانوا قد شاركوا في التمرد ويعرفون أنه , إذا أصبح قبطاناً مرة أخرى , سيُشنقون حالما تصل السفينة إلى أي ميناء انجليزي .
لم نأمل في تحقيق السيطرة على السفينة برجال قلة كهؤلاء , وبدا لي أن من الأفضل أن ننتظر ونرى ما سيحدث بعدئذٍ . كنت متأكداً تقريباً من أن الرجال على ظهر السفينة سيتساءلون عما كان قد حدث لرفاقهم . عاجلاً أو آجلاً سيأتون إلى الشاطئ في قارب آخر للبحث عنهم . لمنعهم من استعمال القارب الأول , حملنا منه كل المعدات وثقبنا ثقباً كبيراً في قاعه . في الوقت نفسه , حملنا القارب إلى مسافة بعيدة جداً إلى أعلى الشاطئ حتى لا يكون من المحتمل أي يجرفه أي مد بعيداً في البحر .
كان هذا عملاً شاقاً وجلسنا لنستريح حين أنهينا عملنا . فيما نحن نجلس لنستريح سمعنا السفينة تطلق النار كإشارة للقارب حتى يعود . حين لم ينطلق أي قارب اُطلق المزيد من الطللقات لكن لم يحدث أي شيء طبعاً . حين وجد أولئك الذين على ظهر السفينة بأنهم لا يلقون أي جواب من الشاطئ أرسلوا مجموعة أخرى إلى الشاطئ . فيما اقترب القارب حاملاً الرجال رأيت خلال المرقاب بأن عشرة رجال فيه , وأنهم كلهم مسلحون ببنادق .
كان القبطان يعرف كل رجل في القارب وأخبرني بأن ثلاثة منهم زملاء شرفاء . أما البقية , خصوصاً القائد , وضابط الأشرعة , فقد كانوا طرين . كان القبطان يخشى أن يسفروا عن أنهم أقوى منا .
كان أول ما يجب فعله هو إخفاء السجناء , وهكذا أخذهم جمعة إلى كهفي . تركهم هناك مع خبز ومياه كافيين لثلاثة أيام . وعد بأنه إذا سار كل شيء على ما يرام , فإن سراحهم سيُطلق خلال ثلاثة أيام , لكن إذا حاولوا الهرب فإنهم سيقتلون مباشرة .
أطلق سراح اثنين من السجناء الذين تكلم عنهم القبطان , وعدا كلاهما في أن يكونا ماليين للقبطان ووافقا أن يقاتلا إلى جانبنا . نكون معهما , والقبطان ورجاله الاثنان , وأنا وجمعة سبعة رجال , وكلنا جيدوا التسلح .
حالما وصل اربهم إلى الشاطئ سحبه الطاقم إلى أعلى الشاطئ ثم جروا إلى القارب الآخر . اندهشوا اندهاشاً لا مزيد عليه وهم يجدون بأنه كان فارغاً وأنه كان هناك ثقباً كبيراً في قاعه .
صرخوا بأعلى أصواتهم محاولين أن يُسمعوا رفاقهم . حين لم يتلقوا أي جواب , أطلقوا كاهم نار بنادقهم . رنت الغابة بأصداء طلقاتهم , لكن أحداً لم يجب . حين رأى الرجال من السفينة أنهم لا يتلقون أي جواب لنداءاتهم انطلقوا بقاربهم ثانية وجذفوا عائدين إلى السفينة . علمنا فيما بعد بأنهم فكروا بأن رفاقهم قد قتلوا .
لم يمض وقت طويل قبل أن يعودوا مرة أخرى . كان لديهم هذه المرة خطة جديدة . وصل سبعة من الرجال إلى الشاطئ للبحث عن رفاقهم بينما بقي الثلاثة الآخرون في القارب . فيما كان القارب يرسو على مسافة قريبة من الشاطئ شكل لنا هذا مشكلة جديدة . لن يكون عوناً لنا أن نأسر الرجال السبعة الذين كانوا قد سبق وحلوا في هذا الشاطئ . لو فعلنا هذا فإن أولئك الذين في القارب سيجذفون عائدين إلى السفينة ويبحرون بعيداً . لم يكن أمامنا أي خيار سوى أن نصبر وننتظر فرصتنا .
لم يتفرق الرجال السبعة بل ساروا معاً إلى أعلى التل فوق بيتي . رأيناهم بوضوح تام مع أنهم لم يرونا . كانوا بعيدين جداً عنا فلا نقدر أن نطلق النار عليهم , لكنهم كانوا قريبين جداً ليخرجوا من المخبأ .
حين أت الرجال السبعة إلى حيث يمكنهم أن يروا جزءاً كبيراً من الجزيرة , نادوا بصوت عالٍ إلى أن تعبت أصواتهم . بدا أنهم لم يريدوا أن يختفوا عن أنظار الشاطئ . حين لم يتلقوا أي جواب لندائهم , جلسوا تحت شجرة ايقرروا ما يفعلونه بعدئذٍ . فكرنا : لو أنهم ينامون فقط , سيكون من السهل القبض عليهم , لكنهم كانوا حذرين جداً من خطر محتمل لهذا .
تماماً فيما نحن نفكر أن لا شيء يمكن أن يُفعل قبل الظلام . نهضت المجموعة وبدأت تسلك طريقها عائدة إلى الشاطئ . بطريقة ما كان علينا أن نمنع حدوث هذا . أمرت جمعة ووكيل القبطان أن يذهبا إلى الغابة لمسافة نصف ميل ومن ثم يناديان بصوت عال قدر ما يستطيعان . حالما أجاب البحارة كان عليهم أن ينادوا ثانية . بفعلهم هذا , لابد أنهم سيجرون الرجال السبعة إلى مسافة أبعد فأبعد عن الشاطئ .
كان البحارة قد وصلوا إلى القارب فعلاً وكانوا على وشك تسلقه والدخول إليه حين نادى جمعة ووكيل القبطان بصوت عال . كانا على الجانب المقابل من الخليج , لكن البحارة أحضروا القارب من الجهة الآخرى وربطوه إلى شجرت ضغير على الضفة . هذا ما أردته تماماً . بينما كان وكيل القبطان وجمعة يسحبان البحارة بعيداً عن قاربهم , أخذت باقي رجالي وأسرت القارب بسرعة . كان أحد الرجال الذين كان من المفترض أن يحرس القارب نائم على الشاطئ , واستسلم الآخرون حين رأوا كم كنا مسلحين تسليحاً جيداً .
تابع جمعة ووكيل القبطان النداء وجرّا الرجال إلى أن وصلوا إلى منتصف الغابة . هناك تركا الرجال السبعة تعبين جداً وعلى مسافة طويلة من الشاطئ . كانوا متأكدين من أن البحارة لن يصلوا إلى قاربهم مرة أخرى قبل أن يحل الظلام .
حين تركوا البحارة , عاد جمعة ورفيقه وانضما إلى بقيتنا على مسافة ليست بعيدة عن الشاطئ . كانت قد مضت ساعات عديدة بعد هذا تمكن البحارة أثناءها من أن يجدوا طريقهم للعودة إلى الخليج حيث تركوا قاربهم . سمعناهم يعودون من خلال الغابة . كان الذين في المقدمة يحثون عن الذين في المؤخرة على أن يسيروا بسرعة أكبر . كانوا كلهم يتذمرون من أقدامهم المتقرحة .
تأكدنا من أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى تلك السفينة في تلك الليلة . حين اكتشف البحارة هذا , انزعجوا انزعاجاً شديداً . قال أحدهم إن الجزيرة مليئة بالأرواح الشريرة , بينما صرح آخر بأنهم سيُقتلون كلهم .
أراد رجالي أن يهاجموا على الفور , لكن , لأنني أردت أن أقتل قادة التمرد فقط , أمرتهم أن ينتظروا . لم يمض طويل من الوقت قبل أن تظهر فرصة مناسبة . أتى ضابط الأشرعة ماشياً نحونا بصحبة اثنين . كان القبطان متلهفاً لهفة كبيرة لإطلاق النار على أعدائه حتى أنه بالكاد انتظر اقتراب ضابط الأشرعة قرباً كافياً للتأكد من قتله . أقرب فأقرب , أتى الرجال الثلاثة . فجأة , لم يعد القبطان يستطيع أن ينتظر أكثر وقفز على قدميه وأطلق النار . في الوقت نفسه أطلق جمعة النار أيضاً . سقط ضابط الأشرعة ميتاً وسقط الرجل التالي له جريحاً ومات بعد وقت قصير . جرى الرجل الثالث مبتعداً بأسرع ما أمكنه هذا .
تقدم بقيتنا نحو البحارة الآخرين . وحيث أن الظلام كان يخيم لم يروا كم كان عددنا قليل . ذهب الرجل الذي أسرناه في القارب إلى المقدمة . أمرته أن ينادي على أحد البحارة بالاسم . أردت أن نتكلم معهم حتى نتوصل إلى تفاهم معه .
نادى بأعلى صوت أمكنه إطلاقه : " توم سميث ! توم سميث ! "
" هلهذا أنت يا روبنسون ؟ "
أجاب الرجل الآخر : " نعم , هو أنا . من أجل الله يا توم سميث , ارموا ببنادقكم وإلا ستُقتلون كلكم . "
سأل توم سميث : " أين أنت , ,غلى من يجب أن نستسلم ؟ "
" نحن هنا . وهاهنا قبطاننا . لديه خمسون رجلاً هنا ظلوا يبحثون عنكم طيلة الساعتين الاضيتين هاتين . ضابط الأشرعة قُتل , ويل فراي جريح وأنا سجين . إذا لم تستسلموا ستضيعون كلكم . "
سأل توم سميث والشك يساوره : " هل سيُظهرون لنا الرحمة إلا استسلمنا ؟ "
إجابةً على هذا نادى القبطان نفسه بصوت عال .
" أنت يا سميث , أنت تعرف صوتي . أعد أنكم إذا ألقيتم بأسلحتكم على الأرض على الفور واستسلمتم , سأبقي على حياتكم كلكم ما عدا ويل أتنكس . "
صاح ويل أتنكس : " لماذا , ما الذي فعلته ؟ كانوا كلهم سيئين قدر ما كنت أنا . "
لم يكن هذا صحيحاً حين أن ويل أتنكس كان أو من تمرد ضد القبطان . أخبره القبطان بصرامة بأنه يجب أن يستسلم مع البقية وأن يثق برحمة حاكم الجزيرة . بهذا عناني أنا . استسلموا كلهم وتوسلوا طالبين أن نُبقي على حياتهم .
خاطب القبطان الآن رجاله .
قال : " كنتم كلكم بلهاء جداً وشريرين . ما لم تغيروا طرقكم إلى حد كبير ستُشنقون . حين أحضرتموني هنا إلى الجزيرة فكرتم أم لا أحد يعيش في الجزيرة وأنني لابد أن أموت جوعاً هنا . لكنكم ارتكبتم غلطة كبيرة . لهذه الجزيرة حاكم انجليزي وأنتم الآن سجناؤه . من المحتمل أن يرسلكم كلكم إلى إنكلترا حيث سُتعامل معكم طبق القانون . أما بالنسبة لك يا ويل أتنكس , قلا تتوقع أي رحمة . أنصحك أن تستعد للموت حيث أن الحاكم أمر أن تُشنق في الصباح . "
سقط ويل أتنكس أمام قدمي القبطان وتوسل إليه أن يستعمل تأثيره على الحاكم حتى تُبقى على حياته . توسل كل الآخرون بألا يرسلوا إلى إنكلترا كسجناء .
كنت متلهفاً في أسر السفينة حتى أغادر الجزيرة أخيراً . أرسلت وراء القبطان وأخبرته عن خططي للإمساك بالسفينة . فكر أن خططي كانت جسدة وأنه سيساعدني في تنفيذها . قسمنا السجناء إلى مجموعتين . احتوت المجموعة الأولى أخطر الرجال وأرسلناهم إلى الكهف , وأيديهم مربوطة ربطاً شديداً . أرسلا الآخرين إلى بيتي الآخر في منتصف الجزيرة .
في لصباح , ذهب القبطان ليرى كل السجناء . أخبرهم أن حاكم الجزيرة وعد أن يُبقي على حياتهم طالما بقوا في الجزيرة . حالما يعودون إلى إنكلترا سيوضعون في السجن . إذا ساعدوه على أسر السفينة فإنه سيبذل أقضى ما يستطيع لإنقاذ حياتهم . يمكنك أن تحزر كم كان السجناء متلهفين لقبول عرض القبطان . وعدوا لا أن يساعدوه على لاقبض على السفينة فقط , بل في أن يظلوا مخلصين له بقية حياتهم .
قال القبطان : " حسناً , يجب أن أذهب إلى الحاكم وأخبره بما تقولونه وأرى ما الذي يمكن أن يُفعل لمساعدتكم . "
هكذا عاد إلي مع وصف لما تبادله من كلام مع الرجال . أردت أن أكون متيقناً تماماً من أنهم يمكن الوثوق بهم .
أمرت : " عد إل السجناء واختر خمسة من مساعديك . يمكنك أن تخبرهم بأن أولئك الذين تركوا في الطهف سيُعاملون كرهائن . إذا برهن أشخاص الذين تختارهم بأنهم غير مخلصين , عندئذٍ سأشنقهم كلهم أولئك الذين في الكهف أيضاً . "
بدا هذا قاسياً , لكن كان علي أن أظهر للرجال بأنني أتعامل مع هذا الموضوع بجدية كبيرة . لم يكن لديهم أي خيار سوى أن يقبلوا بشروطي . أصبح الآن من مصلحة الرجال في الكهف إضافة إلى القبطان أن يقنعوا الرجال الخمسة المختارين بأن يقوموا بواجبهم بإخلاص .
الفصل الخامس عشر
إعادة أسر السفينة
أصبح لدى القبطان الآن اثنا عشر رجلاً في مجموعته . كان على جمعة وعلي أن نبقى في الجزيرة إلى أن يُعاد أسر السفينة . في أثناء هذا راقب جمعة السجناء وأخذ إليهم الطعام والماء.
قسم القبطان رجاله إلى مجموعتين . هو ورفيقه لديهما خمس رجال معهما في قاربهما . ذهب البقية في القارب الذاني الذي أصلحوه .انتظرا إلى أن حل الظلام قبل أن ينطلقوا إلى السفينة . في منتصف الليل وصلوا ضمن مسافة نداء . حمل القبطان روبنسون على أن ينادي بصوت عالٍ على أولئك الذين في ظهر السفينة .
قال:"وجدنا رفاقنا وقاربهم . لكن الجزيرة مكان رهيب وقد استغرقنا كل هذا الوقت لفعل هذا. "
بهذه الطريقة أبقى الرجال على ظهر السفينة يتكمون إلى أن وصلت قواربنا إلى جانب السفينة .
ثم قفز القبطان ووكيله بسرعة على ظهر السفينة وطُرحا أرضاً رجلين اثنين الذين قابلاهما . أُسر البحارة كلهم الذين كانوا على سطح السفينة . أغلقت مجموعة القبطان الأبواب المؤدية إلى أسفل وثبتتها , حتى لا يستطيع باقي الطاقم من الخروج . حين تم هذا أمر القبطان وكيله والرجال الثلاثة أن يقتحموا القمرة الخلفية . هنا كان بحار آخر قائداً في التمرد نائم . أيقظته ضجة القتال ووصل إلى بندقيته . معه كان هناك رجلان وصبي , كلهم كانوا مسلحين .
جرى الوكيل إلى الباب مع قضيب حديدي وشق الخشب . لم يكن من السهل هزيمة أولئك الذين كانوا في الداخل فأطلقت النار على الوكيل ورجاله . جُرح الوكيل بطلقة كسرت ذراعه , وجُرح اثنان من مجموعته أيضاً . لحسن الحظ لم يُقتل أحد . مع أن الوكيل جُرح , إلا أنه نادى بصوت عال طالباً من الرجال أن يتبعوه من خلال الباب المكسور . اندفع إلى داخل القمرة الخلفية وأطلق على القائد النار في رأسه .
كانت هذه نهاية التمرد لأنه , بموت هذا الرجل , استسلم باقي الطاقم . حالما أسرت السفينة أمر القبطان سبع بنادق أن تُطلق نارها . كانت هذه هي الإشارة التي اتفقنا على إطلاقها حالما ينجحون . كنت مسروراً جداً في أن أسمع البنادق تنطلق . كنت أجلس على الشاطئ لمدة ساعتين بالتمام منتظراً أن أعرف نتيجة المعركة .
بعد هذا ذهبت إلى الفراش . مررت بوم طويل ومتعب وسرعان ما نمت . حين استيقظت في الصباح كان القبطان ينادي .
قال : " يا حاكم , يا حاكم , تعال وانظر إلى سفينتك . "
اقتادني إلى أعلى التل وأشار إلى البحر .
صرح : " هناك هي . إنها كلها لك وكذلك نحن وكل ما يعود إليها . "
نظرت وهناك كانت السفينة على بعد ما يزيد عن نصف ميل بقليل من الشاطئ . حالما تولى القبطان المسؤولية ثانية رفع المرساة واقترب بالسفينة من الشاطئ إلى أقرب مسافة ممكنة .
كان الآن كل شيء جاهزاً لإنقاذي من الجزيرة . ها هنا سفينة جاهزة وتنتظر أن تأخذني إلى إنكلترا . بعد كل هذه السنين كان التفكير يكاد يكون أكثر من اللازم بالنسبة إلي . فلبعض الوقت لم أستطع أن أجيب القبطان . لو لم يأخذني بين ذراعيه لكنت سقطت على الأرض كما ظننت . أخرج القبطان قنينة روم من جيبه وأعطاني لأشربه . بعد أن شربت الروم جلست على صخرة . قال القبطان أشياء كثيرة لطيفة لي ليساعدني على التغلب على عواطفي , لكن هكذا كان تدفق الفرح داخلي حتى أنني انفجرت بالدموع .
بعد أن كنا قد تكلمنا لبعض الوقت قال القبطان بأنه أحضر لي بعض الطعام وأشياء مفيدة أخرى من السفينة . أحضر لي بعض نبيذ ماديرا وبعض التبغ . لم أر أياً من هذه الأشياء كل السنين التي أمضيتها في الجزيرة . ثم أتت ستة أضلع من لحم بقر وستة أضلع من لحم خنزير وبسكوت وسكر وأشياء أخرى كثيرة .
إضافة إلى الطعام كانت هناك بعض الملابس الجديدة . كانت هذه بالنسبة إلي قيمة حتى أكثر من أروع طعام . كانت هناك ستة قمصان جديدة , ستة أوشحة , زوجا قفازات , حذاء وقبعة وبذلة ملابس كانت جديدة تقريباً . بكلمة واحدة , كسوت من الرأس إلى القدم , شعرت بأنني غريب حقاً عندما ارتديت هذه الملابس . لم أرتد ملابس كهذه حيث أن الملابس الأخرى كانت قد اهترأت بعد أن أتيت إلى الجزيرة تماماً .
بدأنا نفكر بالذي يجب أن نفعله بسجنائنا . قال القبطان بأننا إذا أخذنا أسوأ اثنين فإن علينا أن نبقيهما ونقفل عليهما حتى نبلغ مستوطنة إنجليزية . كان يمكننا عندئذ أن نسلمها إلى حاكم ليتعامل معهما طبقاً لقوانين تلك البلاد . عنى هذا تقريباً الموت لهما , وفكرت بأنهما قد يفضلان أن يبقيا في الجزيرة إذا أعطي لهما الخيار . حين اقترحت هذا على القبطان وافق , وهكذا أرسلت جمعة ليعيد كل السجناء إلينا .
حين حل السجناء كلهم إلينا , تكلمت إليهم .
أخبرتهم : " أنا حاكم هذه الجزيرة , وأنت يا قبطان أخبرتني بكل شيء عنهم . أنا أعرف بأنكم اشتركتم في التمرد وكنتم تخططون لتصبحوا قراصنة . لقد أمسكت بالسفينة , وأفراد الطاقم كلهم الذين استركوا في التمرد إذا ماتوا أو استسلموا . كحاكم لهذه الجزيرة , لدي صلاحية شنقكم . هل لديكم أي شيء يوجب على ألا أفعل هذا بكم ؟ "
في الوقت نفسه جعلتهم يفهمون أنه ستبقى على حياتهم إذا وافقوا على أن يُتركوا في الجزيرة حين تبحر السفينة . وافقوا كلهم بسرعة أنهم يفضلون أن يبقوا على أن يُشنقوا . أخبرتهم بأننا ونحن نترك الجزيرة سنطلق سراحهم ونعطيهم بعض البنادق والذخيرة .
قادهم جمعة بعيدا والتفتُّ إلى القبطان لأتكلم إليه . أخبرته بأنني سأحتاج إلى بعض الوقت لأجهز بعض الأشياء لأغادر الجزيرة . كانت هناك الكثير من الممتلكات التي أردت أن آخذها معي لتذكرني بسنِّي في الجزيرة . أردت أن أمضي ليلتي الأخيرة في الجزيرة بينما يعد القبطان السفينة للرحلة . طلبت منه أن يرسل القارب لي في الصباح التالي . طلبت منه أيضاً أن يعلق جثة الرجل الذي قُتل رمياً بالرصاص في القمرة الخلفية على عارضة السارية حتى يراها الكل.
عاد القبطان إلى السفينة وبعد وقت قصير راقبت الرجال يرفعون الجثة إلى عارضة السارية . ذهبت إلى السجناء وأريتهم ما كان قد حدث لرفيقهم . حذتهم بأن هذا سيكون مصيرهم أيضاً إذا عادوا إلى السفينة . ثم أخبرتهم بكل ما أستطيع قوله عن الجزيرة حتى أنه لم يكن من الصعب جداً عليهم أن يعيشوا هناك . أريتهم كيف خبزت خبزي وجففت زبيبي . أخبرتهم عن قطيع الماعز وأين أعيش . أخبرتهم أيضاً عن الستة عشر إسبانياً المتوقع منهم أن يصلوا إلى الجزيرة في وقت قريب جداً .
في الصباح التالي أتى قارب من السفينة ليأخذني من الجزيرة لآخر مرة . مع أنني كنت سعيداً في التفكير في العودة مرة أخرى إلى إنكلترا , إلا أنه لم يكن سهلاً علي ترك الجزيرة . ظلت بيتي طيلة ثمانيو وعشرين سنة وعشت هناك بسعادة أكثر وراحة أكثر مما تخيلت في أي وقت من الأوقات . كان الله طيباً معي . لم ينقذني فقط من الغرق بل حماني أيضاً من المتوحسين الذين زاروا الجزيرة . وها هو الله الآن أحضر لي سفينة كانت على وشك أن تأخذني إلى بلادي .
قوطعت هذه الأفكار بوصول الرجال الذين كنا سنترككهم في الجزيرة . كنت قد وعدت قبل أن أغادر أنني سأعطيهم سيفي وبنادقي . كان لدي القليل جداً من الذخيرة التي بقيت , لكنني وعدت أن أطلب من القبطان أن يرسل إليهم إمداداً أكثر حالما نكون كلنا سالمين على ظهر السفينة .
كانت مهمتي التالية أن نضع في القارب كل الأشياء التي كنت أريد أن آخذها من الجزيرة . تضمنت هذه قبعتي من جلد الماعز ومظلتي . وأخذت معي أيضاً كل النقود التي أخذتها من السفينة الإسبانية . كانت قاتمة اللون وصدئة حتى كلن من الصعب تمييزها كفضة إلا بعد أن صُقلت .
أخيراً كنت مستعداً إلى أن أغادر الجزيرة وأصل إلى القارب . دفع الرجال لقارب بعيداً عن الشاطئ وبدأوا يجذفون إلى السفينة . فيما نحن نرحل أتى رجلان من الجزيرة يسبحان نحونا . رجانا أن ندعهما يأتيان إلى السفينة لأنهما كانا خائفين من أنهما سيقتلان إذا بقيا في الجزيرة . لم يرد القبطان أن يأخذهما في البداية , لكنه أُقنع أخيراً .
هكذا تركت الجزيرة في التاسع عشر من كانون الأول 1686 , كان هذا اليوم هو اليوم نفسه من الشهر الذي هربت فيه هروبي الأول من مغاربة سالي قبل سنين عديدة . وصلت السفينة إلى إنكلترا بعد رحلة طويلة في الحادي عشر من حزيران 1686 . برحمة من الله عدت إلى الوطن مرة أخرى بعد خمسة وثلاثين عاماً .
تمت ..