شاعر الهند
رابندرانات طاغور
مائة عام تمضي على مولد الشاعر الهندي (رابندرانات طاغور) ويحتفل العالم كله بذكرى الشاعر العظيم .
أفما خالستْك النظر ، من قبل ، قصيدةٌ له منشورةٌ في مجلة أو ديوان ؟
بلى . وانك لتذكر معنىً نادراً إنسانياً عميق الغور قد نغش له فؤادك ورفّت اليه نفسُك ، وتذكر أنك أعجبت بطاغور ، وظللت ، بعد هذا ، تلوب على قصائده وكلماته ، لتلهج بها وتوسدها شغاف قلبك.
فاذا التمست عيناك صورة (طاغور)، مطلاً عليك بطلعته المهيبة، فإن في ميسور نظراتك أن تستشف وهي راكعة أمام خطوطها ، كل ما يزخر به قلب هذا الإنسان الشاعر من محبة وطيبة وحكمة.
وإنك لتراعي جُمّتَه ، تنزلق من قمة رأسه إلى قذاله وتنثال على كتفيه ، وحفةً بيضاءَ ، كأنها حزمةٌ من الأشعة طريةٌ ، ثم يلتقي بسبال لحيته وشاربيه وتحيط بوجهه الأسمر ، كإطار من غيوم ، لتعانقه ، لتحبوَ عليه ، لتستمدّ منه صفاءً جديداً ترفد به بياضها .
أما عيناه السوداوان الغائمتان بالحنان والرأفة فتبدوان في بهرةِ هذا البياض اللُجّي ، نبعي نورٍ يفيضان أغانيَ ومعانيَ ، تترفّقُ منسابةً إلى قرارة نفسك ، لتهب لك طمأنينةً سابغةً قريرة .
هذا هو الشعور الذي يخالجك ، إن اتفق لك أن تجيل طرفك في صورة (طاغور) ، فكيف كنت تشعر لو أن الحظ أسعدك فاجتمعت إليه ؟ لعلك كنت تردد ما أورده الكاتب الفرنسي (رومان رولان) الذي جلا لقاءه بالشاعر الهندي بهذه الكلمات:
"حين تقترب من طاغور، يناسم نفسك شعورٌ انك في معبد ، فتتكلم بصوتٍ خفيضٍ، وإن أتيح لك، بعد هذا، أن تتملى قسمات وجهه الدقيقة الأبية، فإنك واجدٌ خلف موسيقا خطوطها وطمأنينتها ، الأحزان التي هيمن عليها ، والنظرات التي لم يداخلها الوهمً ، والذكاء الجريءَ الذي يواجه صراعَ الحياة في ثبات".
***
<BLOCKQUOTE>بين رفيقات لي كثيرات ، كنت وحيدةً منصرفة
إلى أعمال البيت اليومية الغامضة .
لِمَ اخترتني ، فاخرجتني من الملاذ الرطب ، ملاذ
حياتنا المشتركة ؟
إن الحب المكتوم لحبٌ مقدسٌ ، إنه يتلألأ كجوهرة ،
في غيهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح ،
قاتماً جديراً بالشفقة .
آه لقد مزقت شغاف قلبي ، وجررت حبي إلى
بهرة الساحة المنفسحة ، محطماً إلى الأبد ، ركنه الظليل ،
حيث كان يواري عشه .
وتظل النساء الأخريات كما هن دوماً .
لم ينفذ إنسان إلى أعماق ذواتهن وإنهن ليجهلن أنفسهن
سرهنّ .
إنهنّ يبتسمن في رقة ، يبكين ويثرثرن ويعملن ،
ويقصدن المعبد ويشعلن مصابيحهن ويجلبن الماء من النهر.
كنت أرجو لحبي الخلاص من خجله وهو يرتعش
وليس ثمة من يحميه ، بيد أنك جعلت تشيح وجهك
عني .
أجل إن الطريق تمتد لاحبةً أمامك، ولكنك قطعت
سبيل عودتي وتركتني عريانةً أمام الناس ، تحدّق إليّ
عيونهم ، ليلَ ، نهار .
</BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>***
مهلاً . يا قلبي ، ليكن وقت الفراق عذباً .
لا تدعه يصبح موتاً بل تتمة .
ليحر الحب إلى ذكرى ، ولينقلب الألم إلى أغنيات .
ليتناه الرفيف في السماء إلى إنطواء الأجنحة حول العش .
لتكن آخر لمسةٍ من يديك رقيقة كزهرة الليل .
توقفي أيتها النهاية الرائعة ، لحظة ، واذكري ،
في صمت كلماتك الأخيرة .
إنني أنحني لك وأرفع سراجي لأنير لك الطريق .
***
تراه نداؤك الذي يوافي من جديد .؟
لقد أهلّ المساء ، وتشبث بي التعب كانه أذرع
الحب الضارعة . أتنادينني ؟
لقد منحتك نهاري كله ، يا سيدتي القاسية ، أتريدين
أن تنهبي مني ليلي أيضاً ؟ ومع هذا ، فإن لكل شيء
نهاية، وإن عزلة الظلام هي ملك كل إنسان . ولكن ،
أيجب على صوتك أن يمزقها ويلفحني ؟
أليس للمساء موسيقا نوم مهدهدة على بابك ؟
ألا تتسلق أجنحة النجوم الصامتة السماءَ فوق برجك
الجبار ؟
ألا يتهاوى الزهر على تراب حديقتك في ميتة ناعمة ؟
ألا يتعين عليك أيتها القلقة أن تناديني ؟
دعي عيون الحب الحزينة تسهر وتذرف الدمعَ دون
جدوى .
دعي المصباح يشتعل في الدار الموحشة .
دعي الزوارق ينقل الحراثين المكدودين إلى بيوتهم .
إنني أهجر أحلامي وألبي نداءَك .
***
- لِمَ انطفأ المصباح ؟
- لقد أحطته بمعطفي ، ليكون بمنجىً من الريح ،
ولهذا فقد انطفأ المصباح .
- لِمَ ذوت الزهرة ؟
- لقد شددتها إلى قلبي ، في شغف قلق ، ولهذا
فقد ذوت الزهرة .
- لِمَ نضب النهر ؟
- لقد وضعت سداً في مجراه لأفيد منه وحدي ،
ولهذا فقد نضب النهر .
- لمَ انقطع وتر المعزف ؟
- لقد حاولت أن أضرب عليه نغماً أعلى مما تطيقه
قدرته ، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف .
***
أنا لا اظفر بالراحة .
أنا ظامئ إلى الأشياء البعيدة المنال .
إن روحي تهفو ، تواقةً ، إلى لمس طرف المدى
المظلم .
إيه أيها المجهول البعيد وراء الأفق ، يا للنداء الموجع
المنساب من نايك .
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أملك جناحاً لأطير ،
وأنني مقيد دوماً بهذا المكان .
إنني متّقدُ الشوق ، يقظان ، أنا غريبٌ في أرضٍ
عجيبة .
إن زفراتك تتناهى إليّ ، لتهمس في أذني أملاً
مستحيلاً .
إن صوتك يعرفه قلبي كما لو كان قلبه .
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من نايك !
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أعرف الطريق وأنني
لا أمتلك جواداً مجنحاً .
أنا لا أظفر بالطمأنينة .
أنا شارد ، أهيم في قلبي .
في الضباب المشمس ، من الساعات الضجرة ، ما
أبهى مرآك العظيم يتجلّى في زرقة السماء !
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من
نايك !
إنني أنسى ، أنسى دوماً ، أن الأبواب كلّها موصدة
في البيت الذي أفزع فيه إلى وحدتي .
***احببت اشعاره فنقلتها لكم ارجو ان تعجبكم</BLOCKQUOTE>
رابندرانات طاغور
مائة عام تمضي على مولد الشاعر الهندي (رابندرانات طاغور) ويحتفل العالم كله بذكرى الشاعر العظيم .
أفما خالستْك النظر ، من قبل ، قصيدةٌ له منشورةٌ في مجلة أو ديوان ؟
بلى . وانك لتذكر معنىً نادراً إنسانياً عميق الغور قد نغش له فؤادك ورفّت اليه نفسُك ، وتذكر أنك أعجبت بطاغور ، وظللت ، بعد هذا ، تلوب على قصائده وكلماته ، لتلهج بها وتوسدها شغاف قلبك.
فاذا التمست عيناك صورة (طاغور)، مطلاً عليك بطلعته المهيبة، فإن في ميسور نظراتك أن تستشف وهي راكعة أمام خطوطها ، كل ما يزخر به قلب هذا الإنسان الشاعر من محبة وطيبة وحكمة.
وإنك لتراعي جُمّتَه ، تنزلق من قمة رأسه إلى قذاله وتنثال على كتفيه ، وحفةً بيضاءَ ، كأنها حزمةٌ من الأشعة طريةٌ ، ثم يلتقي بسبال لحيته وشاربيه وتحيط بوجهه الأسمر ، كإطار من غيوم ، لتعانقه ، لتحبوَ عليه ، لتستمدّ منه صفاءً جديداً ترفد به بياضها .
أما عيناه السوداوان الغائمتان بالحنان والرأفة فتبدوان في بهرةِ هذا البياض اللُجّي ، نبعي نورٍ يفيضان أغانيَ ومعانيَ ، تترفّقُ منسابةً إلى قرارة نفسك ، لتهب لك طمأنينةً سابغةً قريرة .
هذا هو الشعور الذي يخالجك ، إن اتفق لك أن تجيل طرفك في صورة (طاغور) ، فكيف كنت تشعر لو أن الحظ أسعدك فاجتمعت إليه ؟ لعلك كنت تردد ما أورده الكاتب الفرنسي (رومان رولان) الذي جلا لقاءه بالشاعر الهندي بهذه الكلمات:
"حين تقترب من طاغور، يناسم نفسك شعورٌ انك في معبد ، فتتكلم بصوتٍ خفيضٍ، وإن أتيح لك، بعد هذا، أن تتملى قسمات وجهه الدقيقة الأبية، فإنك واجدٌ خلف موسيقا خطوطها وطمأنينتها ، الأحزان التي هيمن عليها ، والنظرات التي لم يداخلها الوهمً ، والذكاء الجريءَ الذي يواجه صراعَ الحياة في ثبات".
***
<BLOCKQUOTE>بين رفيقات لي كثيرات ، كنت وحيدةً منصرفة
إلى أعمال البيت اليومية الغامضة .
لِمَ اخترتني ، فاخرجتني من الملاذ الرطب ، ملاذ
حياتنا المشتركة ؟
إن الحب المكتوم لحبٌ مقدسٌ ، إنه يتلألأ كجوهرة ،
في غيهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح ،
قاتماً جديراً بالشفقة .
آه لقد مزقت شغاف قلبي ، وجررت حبي إلى
بهرة الساحة المنفسحة ، محطماً إلى الأبد ، ركنه الظليل ،
حيث كان يواري عشه .
وتظل النساء الأخريات كما هن دوماً .
لم ينفذ إنسان إلى أعماق ذواتهن وإنهن ليجهلن أنفسهن
سرهنّ .
إنهنّ يبتسمن في رقة ، يبكين ويثرثرن ويعملن ،
ويقصدن المعبد ويشعلن مصابيحهن ويجلبن الماء من النهر.
كنت أرجو لحبي الخلاص من خجله وهو يرتعش
وليس ثمة من يحميه ، بيد أنك جعلت تشيح وجهك
عني .
أجل إن الطريق تمتد لاحبةً أمامك، ولكنك قطعت
سبيل عودتي وتركتني عريانةً أمام الناس ، تحدّق إليّ
عيونهم ، ليلَ ، نهار .
</BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>***
مهلاً . يا قلبي ، ليكن وقت الفراق عذباً .
لا تدعه يصبح موتاً بل تتمة .
ليحر الحب إلى ذكرى ، ولينقلب الألم إلى أغنيات .
ليتناه الرفيف في السماء إلى إنطواء الأجنحة حول العش .
لتكن آخر لمسةٍ من يديك رقيقة كزهرة الليل .
توقفي أيتها النهاية الرائعة ، لحظة ، واذكري ،
في صمت كلماتك الأخيرة .
إنني أنحني لك وأرفع سراجي لأنير لك الطريق .
***
تراه نداؤك الذي يوافي من جديد .؟
لقد أهلّ المساء ، وتشبث بي التعب كانه أذرع
الحب الضارعة . أتنادينني ؟
لقد منحتك نهاري كله ، يا سيدتي القاسية ، أتريدين
أن تنهبي مني ليلي أيضاً ؟ ومع هذا ، فإن لكل شيء
نهاية، وإن عزلة الظلام هي ملك كل إنسان . ولكن ،
أيجب على صوتك أن يمزقها ويلفحني ؟
أليس للمساء موسيقا نوم مهدهدة على بابك ؟
ألا تتسلق أجنحة النجوم الصامتة السماءَ فوق برجك
الجبار ؟
ألا يتهاوى الزهر على تراب حديقتك في ميتة ناعمة ؟
ألا يتعين عليك أيتها القلقة أن تناديني ؟
دعي عيون الحب الحزينة تسهر وتذرف الدمعَ دون
جدوى .
دعي المصباح يشتعل في الدار الموحشة .
دعي الزوارق ينقل الحراثين المكدودين إلى بيوتهم .
إنني أهجر أحلامي وألبي نداءَك .
***
- لِمَ انطفأ المصباح ؟
- لقد أحطته بمعطفي ، ليكون بمنجىً من الريح ،
ولهذا فقد انطفأ المصباح .
- لِمَ ذوت الزهرة ؟
- لقد شددتها إلى قلبي ، في شغف قلق ، ولهذا
فقد ذوت الزهرة .
- لِمَ نضب النهر ؟
- لقد وضعت سداً في مجراه لأفيد منه وحدي ،
ولهذا فقد نضب النهر .
- لمَ انقطع وتر المعزف ؟
- لقد حاولت أن أضرب عليه نغماً أعلى مما تطيقه
قدرته ، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف .
***
أنا لا اظفر بالراحة .
أنا ظامئ إلى الأشياء البعيدة المنال .
إن روحي تهفو ، تواقةً ، إلى لمس طرف المدى
المظلم .
إيه أيها المجهول البعيد وراء الأفق ، يا للنداء الموجع
المنساب من نايك .
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أملك جناحاً لأطير ،
وأنني مقيد دوماً بهذا المكان .
إنني متّقدُ الشوق ، يقظان ، أنا غريبٌ في أرضٍ
عجيبة .
إن زفراتك تتناهى إليّ ، لتهمس في أذني أملاً
مستحيلاً .
إن صوتك يعرفه قلبي كما لو كان قلبه .
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من نايك !
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أعرف الطريق وأنني
لا أمتلك جواداً مجنحاً .
أنا لا أظفر بالطمأنينة .
أنا شارد ، أهيم في قلبي .
في الضباب المشمس ، من الساعات الضجرة ، ما
أبهى مرآك العظيم يتجلّى في زرقة السماء !
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من
نايك !
إنني أنسى ، أنسى دوماً ، أن الأبواب كلّها موصدة
في البيت الذي أفزع فيه إلى وحدتي .
***احببت اشعاره فنقلتها لكم ارجو ان تعجبكم</BLOCKQUOTE>