2 _ هدية النمر
لن تنسى روندا نظراتها الأولى إلى جزيرة كاستاريوس فقد برزت من بين الضباب الخفيف الذي كان يخيم فوق البحر كشكل أسود خشن مقلم يرتفع إزاء السماء الزرقاء التي لا شائبة فيها وفوق البحر اللازوردي رغم مظهرها الكالح الوعر أحست بنبضات قلبها تتسارع وبإثارة غريبة خفيفة تتحرك في داخلها .
إذن ما تكبدته لتصل إلى هنا يجدر به العناء فالوصول إلى هذه الجزيرة لم يكن بالأمر اليسير فالقسم الأول من خطتها نجح كالسحر لكنها تألمت من خداعها بيرس .
بعد رحيل الثلاثة ارتدت ملابسها فوق البيكيني الأسود ووقفت على سطح المركب تحمل حقيبتها الصغيرة فأشارت إلى مركب بخاري وأقنعته بأن يوصلها إلى البر وهناك بدأت المصاعب .
إذ يبدو أن ما سمعته من الصيادين ليلة أمس لم يكن بعيداً عن الواقع فمحاولاتها الخبيثة لاستئجار مركب يوصلها إلى الجزيرة ليعود بها بعد بضع ساعات لاقت قلة اكتراث وأحياناً الرفض المطلق .
وانتشر الخير في الميناء بأن الآنسة الصغيرة تود الذهاب وحدها إلى كاستاريوس فتمنى الجميع أن يعود رفاقها في الوقت المناسب لمنعها كانت قد بدأت تشعر بالإحباط وتود العودة إلى سيغال لتمضية ما تبقى من اليوم عندما ذكر أحدهم اسم خوليو أمامها وعلى الفور لعلع الضحك بين المستعين فعلمت أن خوليو هو الرجل الوحيد الذي قد يخاطر ويصطحبها إلى هناك في مركبه السريع فهو المجنون الوحيد بينهم لكنها علمت أن جنون خوليو هو المجنون الوحيد بينهم لكنها علمت أن جنون خوليو هو في حماقته وتهوره لا في عقله .
بدا خوليو متأثراً .. فبذل جهده ليفهمها بوساطة الإيماءات وإدارة العينين أنه سيكون سعيداً جداً بمرافقة بيلا سنيوريتا أي الآنسة الجميلة إلى حيث تشاء مشيراً إلى أن المال لا يهمه .
لكنها أصرت فهي تريد أن تكون رحلتها على أساس عملية وعلمت من طريقة أخذه المال وتخبئته في جيب سترته أن له زوجة شريرة وعدة أولاد .
وقف العديد من الصيادين يراقبون رحيلها مع خوليو دون أن يودعوها ودون أن يلوحوا أو يرسلوا القبل على اليدين كعادتهم فقد كانت وجوه الرجال قاتمة غير مبتسمة بل إن بعضهم كان مقطباً عندها أدركت أنهم كانوا يعرفون أن خوليو مجنون فهم يعتبرونها امرأة حمقاء …
بينما كان الزورق يسير بهما فكرت في أنها أمضت معظم حياتها معتمدة على والدها تفكر على الدوام في ما يحب وفي ما يبغض كان دائماً يطالب أن يسير منزله كما تسير الساعة مع أنه كان يبتعد عن أي مشكلة تبرز وكانت تعلم منذ نعومة أظفارها أنه يتوقع منها هي أن تتولى حل مشاكل المنزل مع الخدم فتتخذ كل القرارات اليومية ولو كان زواجها من بيرس سيكون بمثابة استبدال وظيفة مدبرة المنزل بوظيفة مماثلة .. فما الفائدة ؟
لاحظت كيف ارتجفت عندما ذكرت في نفسها كلمة لو تزوجت وعلمت أن لا فائدة من التفكير في الخلاص من أفكارها وابتسمت بارتياح عندما أخذ خوليو يغني أغنية رومانسية إيطالية .
كان الوقت قد تجاوز الظهر عندما برزت الجزيرة أمام عينيها .. فراحت تراقبها بذهول بل إنها أمضت بضع دقائق قبل أن تلاحظ أن خوليو توقف عن الغناء .. فنظرت إليه فلاحظت أن أساريره تبدلت إلى عبوس طفيف وأنه بقي يراقب البعيد وكأنه يبحث عن شيء لا يرغب في أن يجده .. فأحست فجأة بجفاف شفتيها وبدا لها البحر حولهما فارغاً فلا دليل على الحياة على تلك الصخور المنفرة غير المرحبة التي أخذت تقترب تدريجياً .
لو حدث شيء .. ومن الأفضل أن لا تكون أفكارها محددة عن طبيعة ما يحدث .. فسيختفيان في المياه دون أثر لكن بيرس سيعرف فقد تركت له مذكرة في سيغال تشرح له الأمر وأملت أن يكون تشايس و أموريل قد قالا كل ما يريدان قوله قبل عودتها عن عنادها و أنانيتها و غبائها .
أحست إحساساً غريباً وهي تقف على رمال الخليج الصغير الفضية تراقب قارب خوليو يبتعد خلف الصخور المرتفعة .. ها هما قد وصلا .. هو ذهب وهي لم تر مسلحاً ولا ظهر أحد من أهل الجزيرة ها أمامها وقت حتى الساعة الخامسة ليعود خوليو ويحملها على قاربه .
--------------------------------------------------------------------------------
دون تفكير … ودون وعي للوقت سبحت وطافت فوق المياه الدافئة ثم استراحت فوق الرمال تحس للمرة الأولى في حياتها بأنها جزء من مادة ومخلوق من هواء وماء وشمس .
غطست تحت المياه تغرز أصابعها في الرمال الصلبة في القعر بحثاً عن الأصداف .. ثم استلقت في المياه الضحلة تسمح للموج الخفيف أن يغسل جسدها .. لم تعرف من قبل مثل هذا السكون .. ما أسعدني وتساءلت بحزن لماذا هذا الإحساس بالسعادة ؟ ليأتي بعده إحساس جارف بالأسى ؟! من يدري ؟
دفعها الجوع أخيراً للخروج من الماء ففتحت منشفتها الملونة على صخرة صغيرة مسطحة قرب الماء وأخرجت من الحقيبة الغذاء الذي أحضرته معها ومعه علب من المرطبات باتت ساخنة الآن وما عليها إلا إيجاد بركة باردة تتركها فيها حتى تبرد قليلاً .
بينما كانت تجلس دون حراك فوق الصخرة أحست أنها تجلس عند طرف العالم تمطت بكسل تتمتع بأشعة الشمس وبالملح على بشرتها ثم مررت أصابعها في شعرها المبلل فمدت يدها إلى الحقيبة فأخرجت منها المشط وسرحته .. بدت الراحة غريبة هنا وهي تجلس على الصخرة تسرح شعرها .
نظرت إلى ساقيها تقيميها في سرها مع ما تبقى من مرتفعات و أشكال في جسدها .. لقد اقترح عليها عدة أشخاص في الماضي أن تكون نموذج تصوير أو عارضة أزياء لكنها لم تفكر في الأمر بجد فهذه مهنة تجعلها عرضة لفضول الناس وهي لا تحب الاختلاط كثيراً .
كان بيرس يشعر بالغيرة دائماً من آراء الآخرين بجمالها لكن ردة فعل أبيها على فكرة العارضة كانت قاطعة للغاية واعتقدت أن ذلك مرده اضطرارها إلى السفر والابتعاد عنه إلى عالم جديد قد لا يكون له فيه نفوذ .
خطر لها أنها في هذه المرة يجب أن تصر وأن تقنع والدها و بيرس بصواب رأيها وبوجوب أن تخط لنفسها نمطاً معيناً للحياة فلم لا تعمل عارضة ؟ ماذا في هذا العمل ؟ وفكرت سأستخدم اسماً مختلفاً .. فإذا نجحت أو فشلت فسيكون هذا لي أنا لا بسحر اسم ستورم .
أخذت قارورة الزيت من حقيبتها فدهنت جسدها كله دون تحفظ بعد أن اكتفت من نور الشمس نقلت منشفتها ووضعتها تحت صخرة بارزة ثم استلقت في ظلها على وجهها .. كان الهواء بارداً يتلاعب بحرارة بعض الظهر فأغمضت عيناها عما يحيط بها من صخور .. لكنها سمعت همس البحر من بعيد .. ودوى صوت رفيع خفيف لحشرة طائرة في أذنها .. سأنام بعد لحظة .. لكن لا يجب أن أنام .. لا يجب .. كانت تقول ذلك وهي تطير فوق غمامة بيضاء من اللاوعي اللذيذ .
لم تدر ما الذي أيقظها .. كل ما عرفته أنها عندما أدارت رأسها تركزت عيناها على حذاء لماع لا يبعد عنها إلا نصف متر وخلف الحذاء حذاء آخر وإلى اليسار آخر …
بقيت لحظات مسمرة في مكانها تحدق وهي لا تصدق ما ترى ثم التقطت بأصابع مرتعدة خرقاء من الحرج والخجل روبها ووضعته على صدرها قبل أن تجلس .
هذا أسوأ من أي كابوس أمامها ما لا يقل عن ستة رجال يرتدون جميعهم زياً رسمياً أخضر قاتماً وأحذية لماعه تصل إلى الركبة ولم يكن هناك أسلحة مصوبة إليها لكن كلاً منهم يحمل مسدساً على خصره عندئذ أحست بمعدتها تخور من الخوف .
أرادت أن تتكلم لكن الكلمات لم تخرج فقد جف حلقها وبدا الصمت يستمر ويستمر حتى الأبد كان الرجل الأقرب إليها صاحب السلطة كما يبدو فقد كان يعتمر قبعة عالية مدببة ويحمل عكازاً حينما خاطبها أخيراً استخدم إنكليزية صحيحة ثقيلة اللكنة :
_ كوني طيبة يا آنسة وارتدي ملابسك لترافقينا .
_ إلى أين ؟
_ هذا ما لم أقوله ولن تعرفيه فلدي أوامري وأرجو أن تسرعي فلن ننظر إليك .
أشار إلى الرجال فاستداروا بطريقة عسكرية مطيعة مع أن اثنين من الشبان منهم تبادلا نظرات الأسف والابتسام لفت الروب على جسدها وهي تشعر بالأسى لكنها على الأقل سترت جسدها فاستعادت بذلك كمية لا بأس بها من ثقتها بنفسها .
التقطت منشفتها ونفضتها من الرمل ثم أعادتها مطوية إلى حقيبة القش كان الرجل المسؤول يراقبها فتمنت ألا يلاحظ ارتجافها لكنها لم تكن تدري ما إذا كان الخوف هو الشعور الذي يعتمرها الآن .
وضع الرجل يده على ذراعها : تعالي يا آنسة !
فصاحت باحتجاج : لن تنجو بفعلتك هذه فالبحار الذي أقلني إلى هنا سيعود قريباً .. و …
واختفى صوتها بعد أن شاهدته يهز رأسه ببطء : من الغباء انتظاره آنسة .
_ لكنني أعطيته التعليمات .
فرد بهدوء : ونحن أيضاً أعطينا الأوامر للصديق الذي أوقفناه بعد أن أوصلك .
فصاحت : لم تقتلوه ؟
_ لا .. فنحن غير متوحشين .
_ إذن اتركوني وشأني .
وكرهت نفسها بسبب لهجة التوسل في صوتها لكنه رد بمنطق : لكن إلى أين ستذهبين .. آنسة ؟ ما من وسيلة لديك لمغادرة الجزيرة .
فجأة تحركت روندا وضربته بحقيبتها التي جعلته يترنح وذلك عندما وقعت الضربة على صدره ثم ركضت تتلوى بجنون متجنبة الأيدي الممدودة للإمساك بها واتجهت رأساً إلى البحر دون أن يكون عندها أي فكرة محددة عما ستفعل .. لكنها سباحة ماهرة لو استطاعت الوصول إلى تلك الصخور الناتئة في البحر .. فهناك أمل في أن يجيء بيرس على متن سيغال للبحث عنها فينقذها قبل أن يصل إليها متعقبيها .. فهي لم ترى أي أثر لقارب قريب ولا بد أنهم استخدموا طريق البر للوصول إلى هنا .
كانت المياه تغمرها حتى الوسط حين وصل إليها أول الرجال قاومته بشراسة تضربه بيديها وتخدشه بأظافرها لكنه أمسك بها جيداً قبل أن يصل آخر و آخر وحملوها وهي ترفس وتقاوم والماء يتقطر منها ثم رموها على الشاطئ حيث امسكوها بذراعيها وثبتوها إلى لرمال وهي خائرة القلب لأنها خسرت فرصتها الوحيدة السخيفة للهروب
أغمضت عيناها تبعد عنها تلك الوجوه السمراء المحدقة لكنهم أوقفوها جامدة في مكانها وبصمت سمعت أحدهم يتمتم بعبارة بلغة لم تفهمها قوبلت بالضحك مما جعلها تخاف أكثر فاستدارت إلى الرجل الذي يتكلم الإنكليزية
_ ماذا قال ؟
_ هدئي من روعك … آنسة .. لاشيء .
_ لكنها لاحظت الابتسامة تتراقص على شفتيه وفي عمق عيناه السوداوان .
_ لكني أصر على أن أعرف !
هذه المرة لم تكن الفتاة المرتعدة الخائفة من يتكلم .. بل ابنة السير تشارلز تدعمها سنوات من الخبرة الآمرة .
تردد الرجل لحظة قبل أن يهز كتفيه قائلاً :
ولماذا يجب أن تعرفي .. آنسة ؟ لقد كانت مزحة عابرة ليس إلا .
_ وهي تتعلق بي ؟
التوت شفتاه قليلاً : أجل كان يقول الحقيقة آنسة قال أن قطة متوحشة مثلك ستكون هدية رائعة للنمر .
أحست مرة أخرى بالرعدة فالأيدي الآسرة والرجال المتحلقون حولها أصبحوا فجأة تهديداً أكبر مما تطيق : ماذا يعنون _ هدية إلى النمر ؟ وهل يكون هو الوحش الذي سمعت عنه ؟
عاد تفكيرها بجنون إلى خرافات الطفولة التي نسيتها منذ زمن بعيد كما كانت تظن لكنها الآن عادت لتطفو الآن في ذاكرتها تعذبها قصص قرأتها عن ضحايا بشرية تقدم إلى حيوانات متوحشة في أماكن ليست بعيدة عن هذه المنطقة .. وعن بطل أثينا ثيوسوس الذي ينتظر في عتمة متاهات كريت وصول الرجل الثور مينوطور .
ارتعدت رغماً عنها .. فمهما كانت هذه الجزيرة تحوي من أسرار فهي لا تريد أن تكون جزءاً منها قد تحتمل أي شيء : غضب بيرس .. اتهامات تشايس و أموريل .. شرط أن تخرج سالمة من هذا الكابوس .. لكن الأمر سخيف .. إنها تترك لمخيلتها العنان .. و الأسخف من هذا هو الواقع الذي هي فيه .
_ تعالي … آنسة .
جرت دون لطف إلى الممر الصخري الصاعد نحو الجرف المرتفع وأخذت تتعثر في صندلها الفاخر الذي تحطم على خشونة الطريق .. ما هي المسافة التي يتوقعون منها أن تسيرها وهي على هذه الحالة ؟
عند قمة الجرف الصخري أجيبت عن سؤالها فقد كانت تقف بالانتظار سيارة لاند روفر وسائقها .
وضع القائد منشفتها على المقعد لتجلس عليها :اجلسي .. آنسة !
أطاعت روندا بصمت .. فلا خيار لديها وما جعلها تشعر بالسرور أن الرجال الذين جروها إلى الشاطئ إلى هنا تبللوا كما تبللت وبدوا غير مرتاحين وهم يرون بذلاتهم مبتلة بالماء كان اثنان منهم قد جلسا قربها كل من جهة ثم صعد القائد إلى المقعد الأمامي معطياً الأوامر لمن تبقى من الرجال بالعودة سيراً على الأقدام .
انطلقت السيارة بسرعة جعلتها تميل جانباً واستعادت توازنها قدر الإمكان فهي لا تعلم بعد أين سيأخذونها لكنها تكهنت أنهم متجهون إلى البلدة نفسها .
المناظر حولها اخشوشنت تدريجياً والتلال على جانبي الطريق انحدرت واتخذت طابع الفخامة والإجلال كانت إحدى هذه التلال متوارية في حمأة الحر أمامها مرتفعة حتى بدت جبلاً لكنها لم تشاهد كائناً بشرياً حولها ولا منازل بل ركام مهتز وحظائر خراف فارغة .
التفتت إلى أحد الرجلين قربها وقالت الكلمات الوحيدة التي تعرفها : أين الناس هنا ؟
فهز كتفيه وراح يتحدث بسرعة بلغته فلم تفهم ما قال سوى كلمة بالازو .. ألا يعني هذا القصر ؟ هل تحتوي جزيرة صغيرة [محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]ة كهذه مكاناً كهذا .. قصر ؟ أم أنها أساءت الفهم ؟ لكن قبل أن تمضي بسؤالها التفت إليه القائد غاضباً صائحاً : اصمت !
وصمت الرجل .. وبدا أن القائد بدأ يشعر بالحر فخلع سترته ورماها لأحد الرجلين في الخلف وكان لاندروفر يتسلق مرتفعاً عالياً الآن والجبل يلوح فوقهم فشاهدت روندا الزبد الأبيض لشلال مياه يهبط من فوق فرفعت رأسها لتمعن النظر إليه .. ربما عندما تصل إلى قمة المرتفع أمامهم ستعرف إن كان القصر موجوداً أم لا .
ووصل لاندروفر إلى القمة فمالت روندا إلى الأمام تنظر إلى ما حول السائق .. لكن قبل أن تتمكن من رؤية أكثر من بضعة سقوف قرميدية حمراء تحتها ومنظر البحر الأخضر وراء القرية رمي فوق رأسها شيء خشن أسود فصرخت بجنون تحاول تحرير نفسها من الغطاء الخانق .
ثم جاءها صوت القائد وكأنه من مكان بعيد :
أنا آسف يا آنسة لكن هذا ضروري فلا يجب أن تشاهدي شيئاً ولا أن يشاهدك أحد هذه هي الأوامر اعلمي أنك ستستريحين أكثر لو توقفت عن المقاومة .
فهدأت في مقعدها غاضبة فاقدة الحس لا تعي سوى محاولة التنفس عبر القماش السميك الذي كان لسترته وتمنت أن يتلفها له ماء البحر العالق فيها .
فقدت كل إحساس بالوقت أو المسافة أو الاتجاه كانت كل حفرة تقع فيها السيارة تبدوا أسوء من الأخرى فراحت تترنح ذات اليمين وذات الشمال عند كل منعطف ل تراه تتحضر سلفاً له .. وأحست أنها عاجزة تماماً كأي طفلة صغيرة .
ثم تغيرت الحركة وأصبح كل شيء أخشن من الأول هل هي طريق مرصوفة بالحجارة ؟ أخذت السيارة تترنح بحدة إلى اليمين ثم تسلقت من جديد وتوقفت فجأة فسمعت أصوات رجال يتكلمون لم يلبثوا أن غرقوا بالضحك .. عليها ؟ رغم حرارة السترة وخوفها أحست بالغضب .. كيف يجرؤ أحد على معاملتها بهذه الطريقة ؟ حين تكتشف من هو المسؤول عن كل هذا ستجعله يندم على يوم ولادته .. لكنها سمعت صوتاً داخلياً ساخراً : لربما جعلوك أنت تندمين على يوم ولادتك !
وهرب الغضب مختبئاً تاركاً المكان رحباً للخوف والارتجاف لم يمض وقت حتى سمعت صياح أحد تبعه تحرك السيارة إلى الأمام .. فكان المزيد من الحجارة وصوت غريب في مكان قريب .. ومياه تصطدم في تدفقها بالأرض .. أهو ينبوع .. أم نافورة ؟ وتوقفت السيارة .
ترجلي يا آنسة لو سمحت .
ما كان أشد شعورها بالراحة عندما وقفت على قدميها من جديد .
_ عليك تسلق الدرجات .. ميشا سيساعدك .
مدت يدها كالعمياء تتحسس درابزين حجرية عريضة ساخنة بفعل حرارة الشمس .. أمسكتها ورفعت قدمها تتحسس طرف السلم ثم بدأت تتسلق و ميشا يصدر أصواتاً مشجعة من ورائها وقال صوت القائد : واحدة بعد .. لقد وصلنا .. آنسة وسريعاً ما ترتاحين .
وضحك مردفاً : هناك لجنة استقبال لك .
ثم سمعت .. سمعت الصوت الذي جعل شعرها يقف وجسدها يقشعر فازدادت إحساساً بالعجز والعمى .. وإذا هناك زمجرة منخفضة طويلة لحيوان ضخم .
ملأ الصوت رأسها رعباً وضغط عليها ضغطاً شديداً فيما راحت العتمة تزداد ظلاماً وابتلاعاً .. وراحت تسمع نفسها تصرخ .
وللمرة الأولى في حياتها .. أغمي عليها .
الرواية القادمه
3 _ وحش الجزيرة