سيدها
مجركو
عنيدة مستقلة حرة الإرادة هكذا كانت روندا رانسوم إلى أن أوقعها عنادها وفضولها القاتل بين يدي سجان متوحش في جزيرة هو سيدها والقانون فيها .
إنه الأمير المطلق وحش الجزيرة وكل ما حوله خاضع له .. فهل تخضع هي كذلك ؟
البـــــــداية
1_ الجزيرة المحرمة
ابتسمت روندا لنفسها وهي تفكر كم هو أمر عظيم أن تكون هنا بعيدة عن نظرة أبيها المتزمتة وعن احتجاج زوجة عمها التي قالت لها : ماذا سيقول الناس !
وما ستقول زوجة عمها لو استطاعت رؤيتها الآن ممددة بكل راحة على سطح المركب الشراعي الصغير سيغال تستحم تحت أشعة الشمس السمراء في مكان لا يحميها من عيون من يستخدم هذا المرفأ المتوسطي الصغير ماسيرنو سوى ساتر من القماش .
كانت سيغال قد رست في الأمسية السابقة لكن لم يكن لديها هي أو لدى ابنة عمها أموريل وابن عمها بيرس ستورم وخطيب أموريل تشايس الطاقة الكافية للنزول إلى الشاطئ . لكن الشابين عند الصباح قررا النزول لتزود بالمؤونة اللازمة وقد تطوعت أموريل فوراً وهي من تعيش على نفقة تشايس للنزول بينما رفضت روندا .
هذا ما أتاح لها لو كانت صادقة مع نفسها بعض الراحة من ثرثرة ابنة عمها الدائمة والتمتع ببضع ساعات من الهدوء التام والاسترخاء . لكن روندا عادت فندمت على تفكيرها هذا فلولا موافقة أموريل على المجيء لما سمح لها والدها بهذه الرحلة .
فمهما كان السيد تشارلز ستورم منفتح الأفكار وهو خلف مركز القيادة في سفينته الحربية أو خلف مكتبه حيث يسيطر الآن على عالمه الخاص إلا أنه كان رجعياً في نظرته لما تفعله الفتاة المحترمة ولما لا تفعله فقد كان يعتقد أن الفتاة المحترمة لا تقوم برحلة بحرية إلى المتوسط على متن مركب شراعي مع رجل وحيد حتى ولو كان ابن عمها والزوج المرتقب ربما وهكذا توجهت الدعوة لأموريل وخطيبها تشايس .
ومن المحتمل كذلك أن يكون بيرس الذي استدعي في آخر لحظة لمقابلة والدها قد تلقى تعليمات صارمة عن نوع التصرف الذي يتوقعه الأدميرال السير تشارلز ستورم ممن يرافق ابنته الوحيدة ولا بد أنه خرج من مكتبه أحمر الوجه منتفخ الأوداج .
أحياناً كانت روندا تتساءل عما إذا كان ابن عمها يخاف منها قليلاًَ لكنها كانت واثقة أن هذا ليس بالأمر السيء فلقد قررت منذ زمن بعيد أن حريتها واستقلاليتها أمران مهمان لها في أي زواج لذلك كانت واثقة كذلك من أن بيرس لن يحاول أبداً أن يملي عليها إرادته بأية طريقة وهذا من الأسباب التي تجذبها للزواج منه .
وقفت على قدميها .. نحيلة رشيقة ترتدي بكيني قصير تفكر في أن هذا النهار يبدوا أقل إشراقاً نظرت فيما حولها بعينين منتقدتين .. سيغال مركب رائع لشخصين لكنه مزدحم قطعاً لأربعة أشخاص وهي قد فكرت مراراً في أن تقنع والدها بشراء مركب لها كهدية زواج لتقضي شهر العسل مع بيرس على متنه لكنها كانت تعرف أنه لن يوافق على أن تتصرف كالهيبين على حد قوله .
بيرس يحب الإبحار لكن سيغال ليست له بل هي لشريك عمه والشريك هذا وزوجته يعشقان البحر والإبحار ويحتفظان بمركبيهما دائماً على شاطئ الريفييرا الفرنسية في مرفأ يدعى سان رافاييل وبما أنهما مسافران هذا الصيف إلى أميركا لزيارة ابنهما البكر المتزوجة هناك فقد وافقا على إعارة المركب لبيرس و تشايس .
كان والدها بشكل عام يبدوا مسروراً من فكرة زواجها من بيرس وكانت شكواه الوحيدة أن ابن أخيه درس الهندسة بدل الانضمام إلى البحرية كعمه لكنه في النهاية اعترف أن قرار بيرس هذا ما يظهر أن للولد شخصية مستقلة ولا بد أن بيرس قد ورث الكثير عن أبيه لأن أمه العمة افريل وشقيقته ابنة عمها أموريل كانتا دون شخصية تذكر ووالدها هو من أخذ العائلة كلها تحت جناحه بعد وفاة والد بيرس بنوبة قلبية منذ سنوات .. بين أموريل و روندا فارق العمر بينهما لا يتجاوز العدة أشهر ولذا أدخلهما السير تشارلز المدرسة نفسها معتقداً أيضاً أن زوجة أخيه ستعوض ابنته حب الأمومة التي فقدتها روندا في طفولتها .
لكن ما من شيء من هذا كله نجح فهي و أموريل لا يتشاركان في شيء إلا اسم العائلة فأموريل لا يتشاركان في شيء إلا اسم العائلة فأموريل أقصر منها ببضعة سنتيمترات وتميل إلى السمنة و أحياناً لا تتورع عن إظهار امتعاضها من هذا أمام ابنة عمها الجذابة في حين أن بيرس لم يكن يظهر أي امتعاض للفارق المالي بين نصفي العائلة إلا أن أموريل وأمها لم تكونا تخفيان تذمرهما من كونهما الأقرباء الفقراء في عائلة ستورم .
كانت روندا ممتنة لأن أموريل التقت بتشايس وأحبا بعضهما بعضاً كي تريح بالها بالنسبة لمستقبلها وتستقر راضية فلن تضطر بعد الآن إلى أن تدبر أمر تلقي أموريل الدعوة نفسها إلى الحفلات كما تتلقاها هي و الأنكى أن أموريل لم تكن قط ممتنة للجهد الذي تبذله روندا لها فأموريل دخلت كلية الفنون وأمضت فيها ردحاً من الزمن قبل أن تدرك أن مواهبها محدودة وفي هذه الأثناء تعرفت إلى دائرة معينة من الأصدقاء لم تكن توافق أموريل على عشرتهم فقد كانت تخشى دائماً أن يتحدثوا عنها وكان على روندا أخيراً أن تعترف أن بعضاً مهم كان عرضة للقيل و القال بينما نشرت الصحف بعضاً من فضائح بعضهم .
أضف إلى هذا أن روندا كانت تخوض معارك متكررة مع والدها الذي لطالما أدان أصدقائها المتسكعين ذو الشعور الطويلة كما كان يصفهم ومن دون شك أحس والدها بالارتياح لأنها اختارت شخصاً بحسب معاييره مناسباً و أهلاً لها .
نظرت من حيث هي على السطح إلى المقطورة الصغيرة تحت التي تعتبر الصالون فوجدتها عابقة بدخان غليون تشايس وضحكت عندما شاهدت الخرائط مفتوحة فوق الطاولة القابلة للطي وسألت ساخرة :
أين المحطة التالية أيتها الرحالة ؟
_ إلى مسينا كما أعتقد كي نقطع المضيق ونقف هنا .
وأشار بإصبعه إلى نقطة على الشاطئ اليوناني .
_ إنها جزيرة صغيرة تدعى كاستوريويس .. لكنها تبدوا لي مثيرة للاهتمام وهي لا تبعد أكثر من أربع ساعات عن مضيق مسينا صحيح أنها صخرية لكن فيها شواطئ رملية رائعة .
_ هذا ما نسعى إليه . لا نريد أماكن مكتظة .
وقف تشايس وتمطى ثم نفض غليونه في منفضة ثابتة كبيرة : سأصعد لأرى ماذا تفعل أموريل .
راقبه بيرس ضاحكاً وهو يصعد ثم التفت إلى روندا ومد ذراعيه ليجلسها على ركبتيه : هذا ما يقال له انسحاب تكتيكي لبق .
فغمغمت روندا : اللباقة ليست من الشيم التي قد أصفه بها .
_ ليتكما معجبان ببعضكما بعضاً عندما تتعرفين إليه جيداً ستجدينه شاباً رائعاً .. وسنكون كلنا أقرباء في القريب العاجل .
أمسكت خصلة من شعره الأشقر تلفها على إصبعها : عندما يتزوج من أموريل .
فجذبها إليه أكثر وضمها : لم أكن أفكر في هذا فقط .
بيرس شاب لطيف لكنها أدركت أنها ترخص له أكثر مما يجب من مداعبات تسمح بها عادة عندما أحست أنه سيتمادى جذبت نفسها منه فتأوه :
أوه رون … ما الخطب ؟
_ لا شيء … أنت تعرف القوانين .
_ حفظتها غيباً تماماً كما نصها على الأدميرال السير تشارلز ستورم .
_ وظننتك وافقت عليها …
_ بالطبع .. فأنا أوافق على أي شيء لأحصل عليك معي و أنت الآن معي ولا شيء يختلف .. أيصل نفوذ الوالد الكبير حتى هذه المسافة ؟
_ أنت لا تطاق !
وانسلت من ذراعيه واقفة فرد متعباً : أنا آسف .. لكنني ظننتنا عندما نبتعد عن نظره سنبتعد عن أفكاره كذلك
وضحك بمرارة : أنا أنوي أن أحافظ على الوعد الذي قطعته له لكن خطر على بالي أننا قد ننجرف في أوقات فننسى كل شيء إلا نفسينا لكنني أخذت أدرك أنني أفكر وحدي في هذا المسار .
فسألته غاضبة : أتقول أنني باردة ؟
_ لا .. بل أنت أبعد من هذا فهناك امرأة عاطفية تنتظر من يوقظها في نفسك يا رون لكنها لن تستيقظ وأنت خاضعة تحت سلطة والدك لقد فكرت دائماً أنك بحاجة إلى رجل يسيطر عليك كما يفعل هو شخص لن يجرؤ والدك على إصدار أوامره له .. شخص قادر على أن يطلب من العجوز أن يهتم بما يعينه .
فاغرورقت عيناها بالدموع : إذا كنت تظن أن والدي يتدخل كثيراً في حياتي فهذا لأنه يحبني وكنت أظنك تحبني يا بيرس .. ألا تريده أن يحميني أم كنت تريد أن أعرف الرجال و أنا في سن المراهقة ؟
_ بالطبع لا .. سأقطع لساني لو كدرك .. ربما والدك على حق فيما يفعله معي إذ يبدو أنه يعرف عن مشاعري أكثر مما أعرفه أنا .
فوقفت روندا ترفع نفسها على أطراف أصابع قدميها وتطبع قبلة صغيرة على خده .
_ أنت مخطىء يا بيرس فأنا لا أريد رجلاً مسيطراً آخر بل أريد زواج بالمشاركة فيه تامة .
_ آمل أن تستمري في إرادة هذا سأذهب لأرى ماذا يشرب الآخران .
بعد أن خرج نظفت منفضة السجائر ووضبت الخرائط وأخرجت بضع علب عصير مثلج من البراد الصغير .. أرادت لنفسها بضع دقائق لتهدأ عواطفها قبل أن تصعد إلى السطح . فقد فوجئت بما قاله بيرس فبعد علمها بعمق عواطفه نحوها قلقت مما قد يحدث في المستقبل من صدمات بينه وبين والدها .
بعد ساعات قليلة كانت مقتنعة أن لا داعي لتوترها كانت محاطة بجمع متدافع ضاحك يرقص لكل ضربة تصدر من الجوك بوكس في الملهى الوحيد على الشاطئ ..
كانت تعلم أنها محط أنظار كل رجل على الشاطئ وهذه المعرفة أسعدتها لكن ما سرها أكثر تصميم بيرس على الالتصاق بها ليتأكد من عدم حصول أحد على فرصة مضايقتها .. ووجدت نفسها تتساءل عن إمكانية رجوعهما معاً إلى المركب فترة قصيرة وكانت تعرف تماماً ما ينتظرها لو عادا وحدهما والفكرة جعلت نبضات قلبها تتسارع
أهذا ما تريده حقاً أم أنها تترك سحر ليل الصيف والموسيقى يلعبان برأسها ؟ فجأة لم تعد تعرف ماذا تريد وعندما امتدت ذراعاه لتحتويها بين دائرة الطاولات التي تشكل باحة الرقص ارتفعت يداها إليه تدفعه عنها قائلة :
_ حبيبي .. لا تكن سخيفاً .. هذا النوع من الموسيقى لا يناسب هذا النوع من الرقص .
فرد بصوت أجش : أوه .. رون .. أريدك .
_ ما نريده معاً هو بعض الراحة .. فأنا متعبة فلنعد إلى طاولتنا .
شقت طريقها إلى طاولتهما تضحك وترد على تحيات وإطراءات جمالها .. لحق بها بيرس متجهماً : لا أحب سماع مثل هذا الكلام .
_ مثل ماذا ؟ لا تقل إنك تفهم ما يقولنه ؟
_ لست مضطرة لمعرفة لغتهم لأفهم أفكارهم .
_ ما يقوله الناس أمر لا يهمني أبداً .
وانضما إلى أموريل و تشايس على طاولة مضاءة بالشموع في إحدى الزوايا حيث كانا يتحدثان بجهد إلى صيادين محليين وقفا وانحنيا بإعجاب لدى اقتراب روندا وجلوسها إلى كرسيها ثم عاد الحديث كما كان كم سيبقون في ماسيرنو ؟ حتى الغد فقط ؟ لكن الأمر مؤسف للتفكير في أن السنيوريتا لن ترقص في الملهى ثانية .. و إلى العزم بعدها ؟
قال تشايس : لقد قررنا أن نعبر مضيق مسينا ومنها إلى جزيرة صغيرة تدعى كاستاريوس حيث سنرسو هناك ليلة أو ليلتين ..
أطول الصيادين أمسك بذراع تشايس بقوة محذراً فسأله : ما الأمر ؟
فهز البحار رأسه ليؤكد على كلامه : لا .. ليس كاستاريوس .. لا كاستاريوس .. ليست جيدة .
_ وما خطب المكان ؟ بالتأكيد هي مسكونة .. الناس يسكنون هناك .
هز الرجلان رأسيهما ابتعدوا عنها .. ليست جيدة .. لا ترحب بالزوار .
وتكلمت روندا ببرود وحدة موجهة كلماتها إلى بيرس و تشايس اللذان كانا يتبادلا نظرات القلق : حسناً .. أظن أنهم سيجدون زواراً جدداً على أعتابهم فالأمر يبدوا محيراً ولا أحلم في أن أبتعد عن الجزيرة لأن أهلها يريدون البقاء في عزلة .
الصياد الأقصر قامة ذو الشارب صاح متأثراً : لقد ذهبنا إليها .. منذ يومين .. لنصيد السمك .. فأتانا رجال في مراكب مسلحة .. ابقوا هنا .. لا تذهبوا إلى كاستاريوس !
فغمم بيرس مذهولاً : مراكب مسلحة .. يا للجحيم ! ربما يجب أن نبتعد عن الجزيرة .
فارتجفت أموريل قائلة : أوه .. لا أريد الذهاب إلى مكان فيه سلاح .
صاحت روندا بصبر نافذ : لم أسمع بأسخف من هذا الكلام ربما كان الصيد ممنوعاً أو خاصاً ويريدون إبعاد المراكب الأخرى .. لكننا لن نصيد بل سنرسو هناك عند الخليج حيث نقضي الليل .. ولا ضرر من هذا .
فقال تشايس متجهماً : حسناً .. أظن أن علينا الابتعاد .
فتراجعت روندا غاضبة في كرسيها : أوه .. بالله عليكم ! لقد وضعنا خططنا .. فهل ستغيرونها بسبب هلوسة خوف من الصيادين ربما طوردوا بسبب تطفلهما على الصيد هناك فاختلقا هذه القصة لتغطية قصة هروبهما ليس هناك شيء خاص في الخرائط بشأن الجزيرة ولا مانع يمنع السفن من الوصول إليها لذا أنا مصرة على أن نذهب على الأقل لنلقي نظرة .
نظرت إلى بيرس فرأته يضعف لكن تشايس كان متعنتاً فقال : حسناً .. لقد جئت في هذه الرحلة لتمتع بأشعة الشمس والبحر ولأساعد بيرس في الإبحار ولقد أخذنا حظاً وافراً من الشمس والسباحة لكن التمتع والضحك أخذا يخفان أما الشيء الوحيد الذي لست مستعداً له هو أن آخذ خطيبتي إلى أي مكان خطر وهذا نهائي وإذا أصرت روندا فسنجد أنا و أموريل مركباً يوصلنا إلى أقرب ميناء للعودة إلى الوطن .
عضت روندا شفتها غيظاً وهي ترى أن بيرس و أموريل ينظران إلى تشايس بإعجاب ظاهر وجلس الصيادون بصمت فقد بدا ظاهراً لهما أ، هؤلاء الجماعة قد تخاصموا على ما قالاه .
فأجبرت نفسها على الابتسام : لا حاجة للمضي حتى هذا الحد إذا كنت تشعر بالانزعاج بشأن الأمر ..
فقاطعها تشايس بحدة : أنا فعلاً أشعر به .
فكررت ترفع صوتها قليلاً : إذا كان هذا شعورك فلماذا لا نمضي يوماً وليلة أخرى هنا ؟ فأنا واثقة أننا إذا قضينا وقتاً إضافياً في جوارهم وصرفنا المزيد من المال فسيوفر لنا السكان قصصاً خرافية أخرى لمنعنا من مغادرة المكان .
فتمتم بيرس بقلق : رون اخفضي صوتك حبيبتي فأنا متأكد أن بعضاً منهم يفهم ما تقولينه فلقد بدأ البعض ينظرون إلينا باستغراب .
وقف تشايس دافعاً كرسيه إلى الوراء وقال لأموريل : تعالي حبيبتي قبل أن أتفوه بأشياء ضد صاحبة الجلالة قد نندم عليها جميعاً كانت روندا قد أدركت أنها تمادت كثيراً وكانت مستعدة للاعتذار لكن كلمات تشايس أوقفت كلماتها عند شفتيها ففكرة قضاء يوم آخر في ماسيرنو تعاني من امتعاض تشايس و أموريل أفزعتها ومالت فعلاً إلى الذهاب إلى تلك الجزيرة على الرغم من كل ما قيل .
رفاقها إذن يريدون قضاء يوم آخر هنا .. حسناً فليفعلوا ! أما هي فستأخذ منشفتها وثوب سباحتها وتجد صياداً لديه زورق بخاري يوصلها لقاء ثمن . وعندها ستطلب منه تركها عدة ساعات حيث تمضي يوماً رائعاً من نعيم العزلة بينما يتجول الثلاثة الآخرون في الشوارع نفسها يتجنبون الحمير وقذارتها نفسها ويركبون العربات ذاتها ويستأهلون ما يلاقون نتيجة غبائهم .
عادت إلى حاضرها على جلبة ارتفعت حولها فوجدت أن الصيادين يغادران وهما يتحدثان بلغتهما .. فسألت :
ماذا يقولان ؟
فرد بيرس : لست أدري تشايس فلم أفهم إلا كلمة الوحش ولا بد أنهما يتكلمان عن الموضوع نفسه .
فابتسمت ساخرة : أولاً تحدثا عن أسلحة وهاهما يتحدثان عن حيوانات مفترسة نمر أو ما يشبه لا بد أن هناك سبباً رأساً إلى كريت وهي جزيرة رائعة لا تنسي هذا .
_ أوه .. لن أنسى .
قاطعهما شاب تحلى بالشجاعة الكافية ليطلبها لمراقصته وبالرغم من امتعاض بيرس وافقت روندا وبقيت تنتقل من طالب إلى آخر ما تبقى من السهرة إلى أن فقد بيرس القدرة على الاحتمال فشق طريقه نحوها قائلاً :
_ أظن الوقت أزف لنذهب رون .
فضحكت : أوه .. لماذا ؟
_ لأن الوقت تأخر .
_ لم يتأخر كثيراً .. اذهبوا أنتم الثلاثة وسأجد من يوصلني إلى المركب لاحقاً .
بدا الغضب على بيرس وقال متجهماً : ما من مجال لهذا سننتظر أن تقرري العودة .
راقبته وهو يرتد على عقبيه ثم تنهدت وهي تعرف أن عليها الذهاب فرغم ما قالته لا تريد إعطاء أموريل و تشايس عذراً جديداً للتذمر من تصرفاتها كما أنها تعبت فلحقت ببيرس واعتذرت بخبث لأنها جعلتهم ينتظرونها وهكذا عادوا إلى سيغال في الكابينة الغيرة الضيقة التي تتشاركان النوم فيها قالت أموريل لروندا :
_ اسمعي روندا .. صبر بيرس معك لن يدوم إلى الأبد .. فالعيش مع الناس يتطلب الأخذ والعطاء .
وردت روندا موافقة ثم صمتت تستمع إلى محاضرة ابنة عمها عن الحقوق و التضحيات تجاه من تحبه الفتاة .. لكن بعد أن صمت صوت أموريل بوقت طويل كانت ما تزال صاحية تفكر .. أموريل محقة في شيء واحد .. يجب أن يكون هناك عنصر الأخذ والعطاء في أي علاقة لكن المشكلة فيها وفي والدها أنهما ولدا ليأخذا .. بهذه الفكرة الشريرة أدارت اهتمامها إلى خطة الغد .
لاحظت في صالون المركب أن هناك بين الكتب دليلاً عن الجزر المتوسط جلبته معها ووضعته على الرف فوق البنك الخشبي المعلق الذي تنام عليه فمدت يدها إلى مصباحها اليدوي تلق نظرة إليه .
كان الكتاب يتحدث عن الجزر الرئيسة : صقلية كورسيكا كريت المورة الجزر اليونانية وكلها جزر معروفة
على الساحلين الإيطالي واليوناني أما جزيرة كاستاريوس التي تقع بين المورة والجزر الآيونية فلم تلحظ من الكتاب سوى بجملة واحدة لكن لا بد أن هذا عائد لحجمها الصغير .. فكيف لأحد أن يرغب في منع الزوار عن جزيرة بهذا الحجم ؟
لكن بعد أن تابعت قراءة الكتاب اكتشفت أن الناس منعوا عن تلك الجزيرة يوماً وبعنف فالجزيرة بمعظمها صخرية إلا ساحلاً مليئاً صغيراً يبدو أن فيه أطلال حصن قديم بناه أهل الجزيرة لإبعاد المجرمين عنهم من الغزاة والقراصنة الذين كانوا فيما مضى بلاء منطقة المتوسط .
مطت روندا شفتيها .. في الأحوال العادية كانت ستتمتع بزيارة بقايا ذلك الحصن فهي تحب التجول في الأماكن التاريخية تاركة لمخيلتها العنان لكنها هذه المرة أحست أن عليها الالتزام بخطتها الأساسية والبقاء على الشاطئ لن تضر أحداً ولو كان من السكان العدائيين الذي يحاول تقليد أسلافه بالدفاع عن حياض بلاده بالسلاح .
رمت الكتاب أطفأت المصباح اليدوي وراح فكرها يجول ويجول إلى أن أخمده النوم بعد الفكرة الأخيرة التي عنت لها : لن أكون أنانية بعد اليوم .. سأهب بيرس تفكيري كله .. وسأبذل جهدي للمصالحة مع تشايس ولن أتوقع من الجميع الاستسلام لإرادتي طوال الوقت .
لكن هذا الاستسلام يستحق مخاطرة أخيرة .. رحلة إلى كاستاريوس قبل أ، تستقر وتصبح شخصاً مرغوباً .
عندما استقرت الفكرة في رأسها كانت على وشك النوم فعادت إلى الجلوس فجأة تبحث عن كتاب دليل الجزر من جديد بعد بحثها الجيد في الكتاب كله لم تجد إشارة إلى وحش على تلك الجزيرة لا في الماضي ولا في الحاضر فارتاحت .. واستسلمت أخيراً للنوم ,