من طرف جمال سعيد الجمعة يناير 07, 2011 7:40 am
هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟
ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.
وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.
مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.
يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟
لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.
قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء
هو والسنابل والمساء -
وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها
والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي
لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل
شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا
وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل
أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول
حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا
وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها
كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،
وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور
أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها
يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.
ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟
حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها
من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين
ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها
وقضى عليه بأن يجوع
والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء
وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء
كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)
والله - عز الله - شاء
أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق
آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق
دون الأزقة أجمعين
ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها
هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟
يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء
لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين
عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء
كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،
أزراره المتألقات على مغالق كل باب
مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب
وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا
أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا
ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح
أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،
وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح
تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح
وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا
وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف
ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..
فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،
ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء
سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء
- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها
عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:
عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء
وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء
وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها
سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء
والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها
يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!
لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها
أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟
وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار
حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار
وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟
وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.
أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار
ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟
حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار
هي - منذ أن عميت - ""صباح""...
فأي سخرية مريره!
السياب