كي تتمكن أعضاء الجسم من الحياة، يجب تزويدها دائما بما تتغذى وتحيا عليه، ويجب تنظيفها مما يتراكم فيها من فضلات وسموم. ويُستخدم الدم كوسيلة للقيام بعملية التزويد والتنظيف هاتين، لأنه سائل يحمل الأوكسجين والعناصر الغذائية والمواد الكيميائية التي تحتاجها أنسجة الجسم للحياة وأداء ما هو مطلوب منها، كما أنه سائل يستطيع توصيل الفضلات والسموم من تلك الأنسجة والأعضاء إلى أماكن تجميع النفايات والتخلص منها.
وبما أننا نتحدث عن سائل يجري ويدور، فإن نجاح توفيره في كل أرجاء الجسم بلا استثناء يعتمد بالدرجة الأولى على وجود وعمل مضخة تتصل بتمديدات وعائية، قادرة على دفع الدم وتوصيله إلى تلك الأرجاء، وعلى إعادة تجميعه من كل تلك الأصقاع واستيعابه لإعادة الضخ. وهذا بالضبط ما يقوم به جهاز الدوران في الجسم.
ويتكون جهاز الدوران من قلب وشرايين وأوردة. والقلب مصنوع من أربع حجرات عضلية تستوعب الدم القادم إليها ثم تنقبض لضخ أكثر من 7000 لتر من الدم يومياً، والشرايين يجري من خلالها الدم من القلب إلى كل أرجاء الجسم وأعضائه. والأوردة هي التي تُعيد استقبال وتجميع الدم من تلك الأرجاء، لتصبه في نهاية المطاف إلى حجرات القلب، كي يُعيد ضخه مرة أخرى.
ولكن حجم الدم لا يتجاوز 5 لترات، وحياة أجزاء الجسم مُعتمدة على الإمداد المتكرر والمتواصل منه. ولذا على عضلة القلب أن تُكرر انقباضها انبساطها، أو نبضها، ما بين 60 إلى 100 مرة في الدقيقة. ولأن حركة عضلة القلب نفسها، أولاً وقبل كل شيء آخر في الجسم، تحتاج إلى إمداد متواصل وبكميات كافية من الدم المُحمل بالطاقة والغذاء والأوكسجين، ولأن وسيلة توصيل الدم هي الشرايين، فإن أهم جزء في الجسم يجب الحفاظ على سلامته وإعانته على أداء عمله هو الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب.
شرايين تاجية ونوبة قلبية
تُحيط بعضلة حجرات القلب ثلاثة شرايين رئيسية، تعمل على تزويد أجزاء العضلة القلبية بالدم المُحمل بالأوكسجين وبالغذاء. واثنان منها، أي الشريان الأمامي والشريان المنحني، يُغذيان الجزء الأيسر من عضلة القلب، وخاصة البطين الأيسر الذي يُعتبر أهم حجرات القلب. وواحد يُغذي الأجزاء اليُمنى من حجرات القلب، وهو الشريان الأيمن.
وحينما يحصل انسداد في مجرى أحد هذه الشرايين الثلاثة، نتيجة تكون جلطة دموية فيها، فإن التغذية ستتوقف عن الوصول إلى جزء أو أجزاء من العضلة القلبية. وتُسمى عملية سد الشريان بالنوبة القلبية. ويتبع عدم توفير عناصر الحياة للعضلة القلبية حصول مراحل متدرجة من التلف فيه، قد تصل حال استمرار انقطاع تزويدها بالدم، إلى حد موت ذلك الجزء من عضلة القلب.
ولمراحل تلف العضلة وما بعد موتها تداعيات صحية خطيرة ومتنوعة، تجعل من النوبة القلبية السبب الأول والأعلى للوفيات بين الذكور وبين الإناث في العالم أجمع. ولذا يفرض الوضع العمل على عدم حصول هذا الأمر بالأصل، أو العمل السريع والمبكر على وقف تدهور الوضع حال انسداد الشريان. كما يفرض التعامل العلاجي مع تبعات النوبة القلبية للوقاية من تكرار الانسداد في الشريان نفسه أو شرايين أخرى، وللوقاية من التداعيات المتأخرة لموت أجزاء من العضلة القلبية.
وينشأ انسداد الشريان عند المناطق التي تتكون فيها تجمعات لترسبات الكولسترول وحصول حالة ما يعرف بتصلب الشرايين. وهي حالة تتسبب بها مجموعة من العوامل تُسمى «عوامل خطورة ارتفاع الإصابة بالنوبة القلبية».
وهذه الترسبات الكولسترولية من الممكن أن تنمو في الحجم، لتخلق ضيقاً في مجرى الدم من خلال الشريان، وهو ما يبدو على المريض بالشكوى من ألم الذبحة الصدرية، أي الألم الصدري الذي يظهر عند بذل المجهود البدني ويزول عند الراحة. ومن الممكن أيضاً أن لا تستقر حالاً وبنية، ما يُعزي حصول التراكم المفاجئ للصفائح الدموية وخلايا الدم الحمراء وأجزاء الدم الأخرى عند حصول تشققات والتهابات فيها، لتتكون بالتالي خثرة أو كتلة من تجلط دموي عليها، ما قد يصل إلى حد انسداد الشريان، الذي يبدو على هيئة الإصابة بالنوبة القلبية.
عوامل الخطورة والوقاية
تساهم جُملة من العوامل في رفع احتمالات تسهيل تراكم الكولسترول في جدران الشرايين في أعضاء شتى من الجسم، بكل تبعات ذلك المؤدية إلى حصول أمراض مختلفة التأثير. وحصولها في الشرايين التاجية يُؤدي إلى الجلطة القلبية، اما حصولها في شرايين الدماغ فيؤدي إلى السكتة الدماغية، وفي شرايين الأعضاء التناسلية للرجل إلى ضعف الانتصاب، وفي شرايين الأرجل إلى حالات الغرغرينا والاضطرار إلى بتر الأقدام، وهكذا.
وتشمل العوامل كلا من ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، والسمنة أو زيادة الوزن، واضطرابات الكولسترول والدهون، أي انخفاض الكولسترول الثقيل HDL أو ارتفاع الكولسترول الخفيف LDL أو ارتفاع الدهون الثلاثية، والتدخين، والإسراف في شرب الكحول، وعيش حياة الكسل وقلة ممارسة الرياضة البدنية، ومعايشة التوتر والتفاعل السلبي مع الظروف الحياتية الضاغطة، والتقدم في العمر، ووجود تاريخ عائلي لإصابة الأب أو الإخوة أو الأعمام بالجلطة القلبية في سن مبكر، أي دون 55 سنة من العمر، أو إصابة الأم أو الأخوات أو العمات بها في سن دون 65 سنة من العمر.
وتعتمد الوقاية على خفض مستوى عوامل الخطورة، وعلى الكشف الدوري المبكر لأي اضطرابات فيها. ويُعتبر إجراء فحوصات شرايين القلب، وخاصة اختبار الجهد، أحد أهم ما يُمكن للإنسان العادي ممن تجاوز سن أربعين سنة أو من لديه بعض من عوامل الخطورة تلك. ولتناول الأسبرين، وفق الإرشاد الطبي لمن يحتاجونه، دور مهم في الوقاية أيضاً.
العلامات والعلاج للنوبة القلبية
أعراض وعلامات متنوعة، تختلف من إنسان لآخر حال الإصابة، وتختلف مع مرور الدقائق والساعات لدى نفس المريض. والأمر ليس بالضرورة ولا في الغالب مثل ما تُصوره للمشاهدين تلك الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية من حصول ألم شديد في الصدر بل الوضع لدى النساء وكبار السن ومرضى السكري ليس شديداً وربما بلا ألم.
وهو ما يفرض الإلمام بالأشكال المتنوعة لعلامات وأعراض النوبة القلبية، لأن المهم هو التعرف على حصولها لدى المرء أو أحد ممن حوله، هو المبادرة السريعة إلى طلب المعونة الطبية وتلقي الإسعافات دون أي تأخير ولو لدقائق.
والجلطة القلبية يُمكن أن تحصل في أي وقت، في الراحة أو العمل أو اللهو أو غير ذلك. وبعضها يأتي فجأة ويتطور سريعاً خلال دقائق، بينما البعض الآخر يحصل بالتدرج ويتطور على مدى ساعات أو أيام. ولكن يظل الشعور المتكرر بألم الصدر أحد أهم ما يجب التنبه إليه، والذي هو عبارة عن أنين وشكوى من عضلة القلب بأن ترويتها ليست كما ينبغي .
الأعراض والعلامات التحذيرية المنبئة بحصول الجلطة القلبية تشمل بعض أو كل ما يلي:
ـ ألم كالضغط أو الامتلاء أو العصر يعصف بوسط الصدر ويستمر لأكثر من بضع دقائق.
ـ ألم ينتشر إلى أبعد من الصدر ليصل إلى أحد الكتفين أو العضدين أو الظهر أو الفك السفلي، خاصة الجزء الأيسر منها.
ـ تزايد تكرار وشدة ألم الصدر مع مرور دقائق الوقت. ـ ألم متواصل لمدة طويلة في أعلى البطن.
ـ ضيق التنفس واللهاث السريع مع بذل الجهد بما لا يعهد المرء عن نفسه.
ـ زيادة التعرق، خاصة على الوجه والصدر.
ـ الشعور بالغثيان وحصول القيء.
ـ دوخة في الرأس، وربما الإغماء وفقدان الوعي.