تعرف السن المنطمرة بأنها السن التي منع بزوغها نتيجة لتأثيرات مختلفة مع تجاوزها للزمن المحدد لبزوغها في الجداول الطبية المعروفة بوقت طويل مع بقائها مغطاة بعظم الفك جزئيا أو كليا دون وصولها إلى الإطباق الصحيح مع السن المقابلة لها ، ومن هذا التعريف يظهر لنا أن السن المنطمرة يمكن أن تكون منطمرة وغير بازغة بشكل كامل أو يمكن أن تكون بازغة جزئيا ولكن بصورة شاذة كأن تكون مائلة وتضغط على السن المجاور أو أن تكون متجهة إلى باطن الخد وتسبب حينئذ مشاكل عض الخد أو تطور التهابات في الأنسجة المجاورة ، وهذا ما سنعرض له لاحقا.
هذا وتعتبر الأرحاء الثالثة أو ما يسمى بأضراس العقل من أكثر الأسنان تعرضا لمشاكل الإنطمار وكونها آخر الأسنان بزوغا ويبدو أن من أحد أهم أسباب كثرة حدوث انطمار أضراس العقل في العصور الحديثة هو صغر كل من الفكين العلوي والسفلي على مر الأجيال بسبب اعتماد الإنسان على أطعمة لينة بكثرة وبالتالي نقص استعماله لقوى المضغ الشديدة - والتي تعتبر من أحد الأسباب المحرضة على نمو الفكين – بالمقارنة مع الإنسان منذ مئات سنين سبقت بالتالي عدم اتساع الفكين للرحى الثالثة حيث تسبقها جميع الأسنان بالبزوغ ولا تجد لنفسها مكانا على القوس السنية فتبقى منطمرة داخل العظم ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك أسبابا أخرى موضعية وعامة تؤدي إلى الإنطمار.
وهنا يبرز لدينا سؤال هام ألا وهو ما موقفنا من الأسنان المنطمرة خاصة أن بعضها قد يكشف صدفة من خلال صورة شعاعية مجراه لأهداف أخرى فإذا بسن منطمر يظهر فيها دون أن يكون مصحوبا بأي أعراض تدعو إلى التداخل عليه وقلعه جراحيا ، وهنا يبرز دور الطبيب في النصح والإرشاد ، و سنعرض الآن لخمسة احتمالات:
أولا:
إذا كان ضرس العقل متوضع بشكل جيد على القوس السنية المنتظمة وله مكان كاف أصلا ولكنه يبدي أعراضا مزعجة كأن يكون بازغا جزئيا ومغطى قسم منه بأنسجة رخوة فقط وهذه الأنسجة تصاب بالالتهاب كل حين وآخر ( وهذا ما يسمى بالتواج ) فهنا ينظر الطبيب إلى مدى إمكانية الاستفادة من وجوده أم لا . فإذا كان هناك ضرس عقل في الفك المقابل بوضع جيد ويمكن أن يطبق على الضرس المسبب للمشكلة بشكل صحيح إذا أزيلت تلك الأنسجة الرخوة بشكل كامل فهنا يفضل المحافظة عليه والاقتصار فقط على الإزالة الجراحية الجيدة للأنسجة الرخوة المغطية له بعد السيطرة مسبقا على الإنتان المسبب لتلك الأعراض المزعجة وذلك بتطهير المنطقة بالأدوية المناسبة و إعطاء الصادات الحيوية اللازمة لإزالة الأعراض الحادة التي يراجع بها المريض في الجلسة الأولى ومن ثم يجرى ذلك العمل الجراحي البسيط في الجلسة الثانية .
ثانيا:
أما إذا كان أصلا لا يوجد ضرس عقل مقابل أو إذا كان ضرس العقل المقابل متوضع بشكل شاذ يستوجب هو أصلا القلع فحينئذ ليس هناك فائدة من المحافظة على الضرس المسبب للمشكلة حتى ولو كان ذو توضع جيد نسبيا في مكانه لأنه سيكون فاقدا لوظيفة المضغ لأن المقابل مفقود أو مرشح للقلع وبالتالي يفضل حينئذ قلع الضرس المسبب للمشكلة بعد تهدئة الحالة الحادة دوائيا كما يمكن أن يقلع ذلك المقابل سيء التوضع في نفس الجلسة أو في جلسة لاحقة . ( مع الآخذ بعين الاعتبار أن هناك حالات خاصة يقدرها الطبيب وتستوجب أحيانا المحافظة على مثل هذا الضرس وذلك لاعتبارات تعويضية أو غير ذلك من الاعتبارات مما يقرره الطبيب في حينه بغض النظر عن هذه القواعد التي نحن بصدد ذكرها في هذا المقال ) .
ثالثا :
أما إذا كان يوجد ضرس عقل مقابل ولكن وضع الضرس المسبب للمشكلة سيء التوضع كأن يكون مائلا بشكل واضح ويضغط على الضرس المجاور وقد يكون من أحد عوامل تراكب الأسنان وسوء انتظامها , أو أن يكون منزاحا إلى جهة الخد بصورة واضحة ومسببا للعض المستمر على باطن الخد أو إلى غير ذلك من الإزعاجات التي يكون سببا لها فهنا يجب قلعه بل وقلع الضرس المقابل أيضا إن وجد لأن الضرس المقابل سيتطاول مع مرور الزمن بسبب فقدانه الوظيفة والتماس مع المقابل حتى لو كان بوضع جيد الآن وهو حين تطاوله قد يشكل نقاط تماس راضه مع السطح الخلفي للرحى الثانية في الفك المقابل مما قد يسبب مشاكل في المفصل الفكي الصدغي مستقبلا بالإضافة إلى حصره للأطعمة مع الرحى الثانية المجاورة مما قد يسبب نخرها .
رابعا :
إذا كانت الرحى الثالثة منطمرة ضمن العظم وتتهم بأنها مسببة لآلام مبهمة في الفك أو متهمة بأنها السبب في زيادة تراكب الأسنان في القوس السنية خاصة إذا كانت جذورها لا تزال في طور التشكل وواضح شعاعيا أنها تأخذ اتجاها مائلا ضمن الفك أو أنه لا يوجد لها أصلا مكان على القوس السنية عند فحص الفم سريريا فهنا يجب قلعها وأيضا قلع المقابل إن وجد .
خامسا :
إذا كشفت الرحى الثالثة صدفة من خلال صورة شعاعية مأخوذة لأغراض أخرى دون أن يكون المريض شاعرا بوجودها فهنا يأخذ الطبيب عدة أمور بعين الاعتبار منها أن يلفت نظره وجود كيس محيط بجزء من هذه الرحى وهذا الكيس قد يأخذ حجما كبيرا يستدعي بالضرورة إجراء القلع الجراحي حتى ولو لم توجد أي أعراض يشعر بها المريض لأن هذا الكيس يضعف الفك كما يفضل فحصه نسيجيا ، وأيضا يمكن للطبيب أن يلاحظ مدى الأذية التي يمكن أن تكون قد لحقت بالرحى الثانية المجاورة كأن يكون هناك بداية لامتصاص جذورها وبالتالي يمكن أن يعتبر القلع الجراحي إنقاذا للرحى المجاورة . ولا ننسى أنه أحيانا يكون القلع الجراحي مستطبا للمحافظة على النتيجة الجيدة للمعالجة التقويمية ومنع نكسها وذلك بناء على نصيحة اختصاصي تقويم.
أما إذا كان المريض في عقده الرابع أو الخامس فرضا ولا يشعر بوجود هذه الرحى المنطمرة ولا يوجد كيس محيط بها وليست مسببة لأذية في السن المجاورة وليس هناك أي مبرر طبي لقلعها فهنا يمكن ترك هذه الرحى مع تنبيه المريض إليها وأنه يفضل مراقبتها شعاعيا مرة في السنة على الأقل .
وفي النهاية لابد من التذكير بأن الرحى الثالثة السفلية المنطمرة فد تكون من أحد أسباب كسور الفك السفلي عند التعرض للرضوض الشديدة أو الحوادث وذلك بسبب توضعها في زاوية الفك وإضعافها للمنطقة بنقص الكتلة العظمية في الفك كما أنها قد تسبب في بعض الأحيان اختلاطات قليلة المصادفة كطنين الأذن أو التهاب القزحية أو غير ذلك مما قد ينبه إليه بعض الاختصاصيين عند تعذر وجود أسباب أخرى للطنين أو الصداع أو غير ذلك ، كما أن الرحى المنطمرة أو المنحصرة قد تكون أحد الأسباب الواضحة لاضطرابات وآلام المفصل الفكي الصدغي عندما تكون المسبب لاختلال واضح في إطباق الأسنان نتيجة ضغطها على القوس السنة غير المنتظمة أصلا وإحداثها زيادة في خلل الإطباق .
وهكذا نجد أن للطبيب دورا هاما في تقدير الحالة والتعامل معها كمحصلة لعدة اعتبارات دون النظر فقط إلى الضرس المسبب للمشكلة بحد ذاته
د.اياس علي