أبادر بالتعريف عن جانب من شخصيتي من خلال آخر لقاء لي ...أتمنى أن أتعرف عليكم أكثر، أقصد عوالمكم الداخلية، أحلامكم وأفكاركم وأعتبر هذا الجانب مهم للتعارف بين افراد الجنس البشري، قد لا يكون ذلك مسلياً ولكنه مهم!
ما رأيكم؟
الكاتب جمال سعيد:الحب هو الذي يجعلني أفكر بالعدالة والحرية
إيمان أبوزينــة
السبت 14 حزيران 2008
مع الكاتب "جمال سعيد" يصعب أن يسيطر على الحوار إلا ذلك الصدق الذي ينقله إليك بشكل قوي وفاعل فتجد نفسك متفاعلاً مع كلمته، وصدقه، وثقافته العالية لتكتشف أن اللقاء كان مثمراً على أكثر من محور.
ولأن اللقاء امتد قليلاً فقد أجاب على كل الأسئلة كما لو أن وقته "الضيق" كان لنا وحدناوكانت النتيجة هذا الحوار الشيق:
- الكاتب ليس نصاً واحداً، وإنما هو صدى لمجموعة غير منتهية من النصوص الغائبة والحاضرة في ذاكرته.. من أنت كنص قرأته؟
لا أرى الكاتب صدىً لنص أو لمجموعة من النصوص، ولا أنظر إلى النصوص على أنها مجرد صدى للكاتب. أعتقد أن النص الإبداعي الجيد هو صوت المبدع في علاقته بالعالم، وإن شئت فالنص صوت لهذه العلاقة.
لست أي نص مما قرأت، بل لست كل ما قرأت، إنني مدين لما قرأت من نصوص، فقد تركت أثراً مهماً على الكيفية التي أنظر بها إلى العالم من حولي، وكان لها دور في إعادة صياغة علاقتي بما يحيط بي، ولكني لا أظن أني محصلة لمجموعة من القراءات، وبشكل عام أحب أن أشبه الحياة لا أن أشبه الكتب، وأظن أنني كذلك. أعتقد أنني في هذه اللحظة محصلة لكل ما عايشت، و لكل ما حدث في حياتي؛ لكل الأحلام والخيبات التي عشتها وأعيشها في مختلف الميادين، ولكل الألوان والمشاهد والأصوات والروائح والأجسام التي رأيت وسمعت وشممت ولمست، والذي يشكل جزءاً مهماً من عالمي الداخلي الذي تمتزج فيه أفكار ومشاعر وأحاسيس أعيد خلقها متكئاً على خيالي على شكل قصة أو قصيدة. إن ما مر بي يشكل بالنسبة لي المتكأ الحي أو المادة الأولية التي أشكل منها نصاً.
أظن أن النصوص الغائبة التي أشرتِ إليها، والتي تتحول بموت صاحبها إلى لاشيء، قد تكون أكثر أهمية من النصوص التي امتلكت جسداً لغوياً على ورق في دفتر أو كتاب. ولكنها ستبقى غائبة إلى أبد الآبدين، ككل المواليد الذين انتظرناهم ولم يلدوا!ولهذا لا يمكننا أن نناقش أهميتها، كما لا يمكننا التحدث عن الموهبة الفذة المحتملة لأولئك الذين لم تلدهم أمهاتهم.
أما إن كنت تقصدين الاحتمالات التي لا تنتهي لولادة النص، فلا أملك أن أقول إلا : حسناً لقد ولد أخيراً بالملامح التي نعرفها!
- في العموم تبدو المؤثرات الكتابية جزءاً مهماً من لحظة بزوغ النص.. كيف تكتب ومتى؟
"بواعث الكتابة" جزء مهم من بزوغ النص ومن اكتماله أيضاً، أكتب عندما أشعر بأن لدي ما أقول! عندما أمتلك تصوراً عن النص الذي سأكتبه من جانب واحد على الأقل. لكل قصة أو قصيدة كتبتها جذر واقعي، وكل نص كتبته أو أفكر بكتابته محكوم بحلم أو بمتخيل ما، ومحكوم في الوقت نفسه بكيفية فهمي للعالم وبرغبتي وحلمي بالكيفية التي سيكون عليها الكون،سأعطيك مثالاً: لنفرض أنك مشيت في درب ريفي ذات ثلاثاء، ورأيت زهرة صغيرة خجولة قرب الطريق، كان يمشي بجوارك رجل تحبينه، انحنيتما معاً ونظرتما إلى وجه الزهرة، ذبتما في الزهرة وذابت فيكما ، صرتما كوناً كبيراً مكوناً من زهرة ورجل وامرأة، بدا العالم جميلا أكثر بكثير مما هو عليه عادة، وكان الحب ساحراً يجعل منكم أنتم الثلاثة واحداً، كان لا بد لكم أن تعودوا ثلاثة، وكان لا بد لذلك الثلاثاء أن يفسح مجالاً للأيام التي تليه، وكان لا بد للزهرة أن تمضي باتجاه الشيخوخة التي تعودت الزهور أن تمضي إليها،بدأت تبحثين عن تلك الزهرة بعد موتها، وأنفقت الكثير من الوقت والحلم بحثاً عن ذلك الثلاثاء،ولكن الثلاثاءات والأربعاءات وغيرها من الأيام التي نعرفها جاءت مختلفة.إلخ... المشهد الواقعي الوحيد هو أن رجل وامرأة انحنيا وتماهيا مع الكون للحظة أمام زهرة جملها الحب أو جملته، أما ما حدث قبل ذلك وبعده في قصة تكتبينها أو يكتبها أحد ما، فهو كيف بحثتِ عن الحب وعن نوع محدد من الانعتاق والحرية، سنتخيل ماذا فعلت وماذا فعل الرجل وما الذي صادفك في مسار بحثك عن الثلاثاء الضائع، وعلام يدل ما دونته، هل هو مجرد توكيد للخيبة أم أنه توكيد لضرورة البحث الأزلي عن الحب والحرية والعدالة والجمال، ولهذا قد نجد شخصية القصة يابسة في مقلة القهر أو قد نجدها تطير بجناحين من الضوء في نهاية القصة. وقد تحمل القصة الدلالة نفسها في الحالين
أبدأ بالكتابة بعد تهربات كثيرة، لأن الكتابة ترهقني، أحياناً أكتب النص دفعة واحدة ويعجبني عندما أعيد قراءته ولا أضيف أو أحذف منه إلا القليل. كثيراً ما أردد جملاً قبل كتابتها وأنا في الطريق مثلاً، ولكني أكتب أحياناً جملاً أخرى على الورقة. وأحياناً أعيد قراءة النص مراراً وأعيد صياغته مراراً إلى أن أشعر بأن النص قد أصبح قادراً على الخروج عن سلطتي وأحكامي.لا طقوس للكتابة لدي ولكنني أخجل من الكتابة في الأماكن العامة، وأحب أن أكون وحيداً عندما أكتب.
- أيهما باعثك على الكتابة: القلق .. الاطمئنان.. ؟ لنتحدث عن ارتباط الكتابة في حالة نفسية معينة لديك.
الاطمئنان لا يبعث إلا على الدعة، أما القلق فهو الباعث الأهم للإبداع، فالقلق يحكم البحث عن صواب أو جمال فكرة ما، ويحكم البحث عن أنسب الصيغ لفكرة أو حكاية أعتقد أنها هامة. إن البحث عن عالم أكثر جمالاً وعدلاً وحرية محكوم بالقلق، والكتابة في جانب منها ترجمة لقلق الإنسان في بحثه داخل ذاته وخارجها عن شروط أفضل لعيش أفراد الجنس البشري في هذا الكون.
ترتبط لحظة الكتابة عندي بقدر من التوتر والتهيب، لذلك أماطل كثيراً قبل أن أبدأ.
- التجربة الحياتية جزء مفصلي من تكوين الكاتب.. هل هي كذلك في تكوين النص الابداعي..؟باختصار ماهو تأثير المحيط بك؟
ذكرت أنني محصلة لما حصل في حياتي، ولهذا للمحيط أثر جوهري في كل ما أفعل، لا في كل ما أكتب فقط. المحيط مثلاً هو الذي يجعلني أجيب باللغة العربية، هو الذي يشعل الأحلام والأحزان والأفراح الصغيرة واليأس و....و....هو مصدر قوتنا وضعفنا هو الذي يسمح أو لايسمح لنا بأن نكتب، الوسط المحيط هو الذي يفتح أو يغلق دروباً أمامنا... لا أريد أن أطيل ، أريد أن أؤكد أن ما يحيط بنا يصنعنا لنعيد بدورنا صناعته.
- كيف تعيش الحب وماهي تجلياته في كتابتك، وماهو تأثيره المباشر والبعيد؟
الحب شديد الحضور في حياتي وفي كتاباتي، بمعناه الشامل وبمعناه الضيق، أي بارتباطه بالحياة وبارتباطه بالمرأة. الحب بمعناه الحي -أقصد كتجربة شخصية- هو أول مفتاح لي استخدمته للبحث عن عالم رحب يتسع للحب، وهو الذي منحني مشاعر كونية، هو الذي أيقظ في داخلي ينابيع الحزن وهو الذي فتح أمامي ما يكفي من السماوات للطيران. هو الذي جعلني أفكر بالعدالة وبالحرية وبحق الإنسان بأن يمنح آلاف الأعمار لكي يسبح في ملكوت الحب. وآلاف الأعمار لكي يسعد في ملكوت الحرية وآلاف الأعمار لكي يكون مزيجهما-الحب والحرية- حاضراً حول البشر وفي أرواحهم.
- هل لديك مشروع كتابي جديد؟
أحاول لملمة النصوص الشعرية التي كتبتها والتي نشرتها، وأحاول أن أكتب قصصاً، تحولت إلى هواجس في الفترة الأخيرة، وأكمل فيما تبقى من الوقت كتابة رواية، وسأسعى لنشر ما أنجزه أولاً.
- ككاتب كيف ترى المشهد الأدبي السوري..وهل ثمة حلم خاص بك يتعلق بمستقبل الكتابة بشكل عام؟
يؤسفني أن أقول أن هناك ركام من الكتابات في مختلف الأجناس الأدبية، تحتوي على القليل من النصوص الملفتة للانتباه. فكتاب الشعر مثلاً كثيرون أما الشعراء فقلائل. ويؤسفني أن أقول أن عدد القراء يقل ويتضاءل، لكي يحقق الكتاب غايته يحتاج إلى من يكتبه ويحتاج إلى من يقرأه، وكثيراً ما تكون رفوف المستودعات هي القارئ الوحيد لأغلب النسخ التي تصدر من هذا الكتاب أو ذاك، بغض النظر عن درجة أهمية الكتاب.
إن المبدع يحتاج إلى ما يكفي من الوقت والمال لكي يقدر على متابعة نشاطه الإبداعي والقارئ أيضاً يحتاج إلى ما يكفي من الوقت والمال . ولهذا آمل أن تتحسن الظروف المعيشية في سورية بحيث يساعد الإبداع في ميدان الأدب المبدعين على تأمين متطلبات عيشهم، وأن يمتلك القراء وقتاً للقراءة ومالاً لشراء الكتب.
أحلم أن تصبح الكتابة الإبداعية أوسع انتشاراً وتحققاً في مجتمعاتنا العربية، وأن لا تحتل الثقافة الاستهلاكية الحيز الذي ينبغي أن تحتله الثقافة الجادة، وأن يحل الخطاب الثقافي المعني بتطور المجتمع محل الخطاب الثقافي القائم على التملق أو المحاباة الكاذبة أو غير ذلك مما تحفل به مجلات وصحف عربية كثيرة. تلك هي أحلامي الصغيرة أما أحلامي الكبيرة، فهي أن تتحول سورية إلى منبر لإبداع لا يفنيه الدهر، وإلى قبلة لعشاق الإبداع والجمال والعدالة والحرية.
ما رأيكم؟
الكاتب جمال سعيد:الحب هو الذي يجعلني أفكر بالعدالة والحرية
إيمان أبوزينــة
السبت 14 حزيران 2008
مع الكاتب "جمال سعيد" يصعب أن يسيطر على الحوار إلا ذلك الصدق الذي ينقله إليك بشكل قوي وفاعل فتجد نفسك متفاعلاً مع كلمته، وصدقه، وثقافته العالية لتكتشف أن اللقاء كان مثمراً على أكثر من محور.
ولأن اللقاء امتد قليلاً فقد أجاب على كل الأسئلة كما لو أن وقته "الضيق" كان لنا وحدناوكانت النتيجة هذا الحوار الشيق:
- الكاتب ليس نصاً واحداً، وإنما هو صدى لمجموعة غير منتهية من النصوص الغائبة والحاضرة في ذاكرته.. من أنت كنص قرأته؟
لا أرى الكاتب صدىً لنص أو لمجموعة من النصوص، ولا أنظر إلى النصوص على أنها مجرد صدى للكاتب. أعتقد أن النص الإبداعي الجيد هو صوت المبدع في علاقته بالعالم، وإن شئت فالنص صوت لهذه العلاقة.
لست أي نص مما قرأت، بل لست كل ما قرأت، إنني مدين لما قرأت من نصوص، فقد تركت أثراً مهماً على الكيفية التي أنظر بها إلى العالم من حولي، وكان لها دور في إعادة صياغة علاقتي بما يحيط بي، ولكني لا أظن أني محصلة لمجموعة من القراءات، وبشكل عام أحب أن أشبه الحياة لا أن أشبه الكتب، وأظن أنني كذلك. أعتقد أنني في هذه اللحظة محصلة لكل ما عايشت، و لكل ما حدث في حياتي؛ لكل الأحلام والخيبات التي عشتها وأعيشها في مختلف الميادين، ولكل الألوان والمشاهد والأصوات والروائح والأجسام التي رأيت وسمعت وشممت ولمست، والذي يشكل جزءاً مهماً من عالمي الداخلي الذي تمتزج فيه أفكار ومشاعر وأحاسيس أعيد خلقها متكئاً على خيالي على شكل قصة أو قصيدة. إن ما مر بي يشكل بالنسبة لي المتكأ الحي أو المادة الأولية التي أشكل منها نصاً.
أظن أن النصوص الغائبة التي أشرتِ إليها، والتي تتحول بموت صاحبها إلى لاشيء، قد تكون أكثر أهمية من النصوص التي امتلكت جسداً لغوياً على ورق في دفتر أو كتاب. ولكنها ستبقى غائبة إلى أبد الآبدين، ككل المواليد الذين انتظرناهم ولم يلدوا!ولهذا لا يمكننا أن نناقش أهميتها، كما لا يمكننا التحدث عن الموهبة الفذة المحتملة لأولئك الذين لم تلدهم أمهاتهم.
أما إن كنت تقصدين الاحتمالات التي لا تنتهي لولادة النص، فلا أملك أن أقول إلا : حسناً لقد ولد أخيراً بالملامح التي نعرفها!
- في العموم تبدو المؤثرات الكتابية جزءاً مهماً من لحظة بزوغ النص.. كيف تكتب ومتى؟
"بواعث الكتابة" جزء مهم من بزوغ النص ومن اكتماله أيضاً، أكتب عندما أشعر بأن لدي ما أقول! عندما أمتلك تصوراً عن النص الذي سأكتبه من جانب واحد على الأقل. لكل قصة أو قصيدة كتبتها جذر واقعي، وكل نص كتبته أو أفكر بكتابته محكوم بحلم أو بمتخيل ما، ومحكوم في الوقت نفسه بكيفية فهمي للعالم وبرغبتي وحلمي بالكيفية التي سيكون عليها الكون،سأعطيك مثالاً: لنفرض أنك مشيت في درب ريفي ذات ثلاثاء، ورأيت زهرة صغيرة خجولة قرب الطريق، كان يمشي بجوارك رجل تحبينه، انحنيتما معاً ونظرتما إلى وجه الزهرة، ذبتما في الزهرة وذابت فيكما ، صرتما كوناً كبيراً مكوناً من زهرة ورجل وامرأة، بدا العالم جميلا أكثر بكثير مما هو عليه عادة، وكان الحب ساحراً يجعل منكم أنتم الثلاثة واحداً، كان لا بد لكم أن تعودوا ثلاثة، وكان لا بد لذلك الثلاثاء أن يفسح مجالاً للأيام التي تليه، وكان لا بد للزهرة أن تمضي باتجاه الشيخوخة التي تعودت الزهور أن تمضي إليها،بدأت تبحثين عن تلك الزهرة بعد موتها، وأنفقت الكثير من الوقت والحلم بحثاً عن ذلك الثلاثاء،ولكن الثلاثاءات والأربعاءات وغيرها من الأيام التي نعرفها جاءت مختلفة.إلخ... المشهد الواقعي الوحيد هو أن رجل وامرأة انحنيا وتماهيا مع الكون للحظة أمام زهرة جملها الحب أو جملته، أما ما حدث قبل ذلك وبعده في قصة تكتبينها أو يكتبها أحد ما، فهو كيف بحثتِ عن الحب وعن نوع محدد من الانعتاق والحرية، سنتخيل ماذا فعلت وماذا فعل الرجل وما الذي صادفك في مسار بحثك عن الثلاثاء الضائع، وعلام يدل ما دونته، هل هو مجرد توكيد للخيبة أم أنه توكيد لضرورة البحث الأزلي عن الحب والحرية والعدالة والجمال، ولهذا قد نجد شخصية القصة يابسة في مقلة القهر أو قد نجدها تطير بجناحين من الضوء في نهاية القصة. وقد تحمل القصة الدلالة نفسها في الحالين
أبدأ بالكتابة بعد تهربات كثيرة، لأن الكتابة ترهقني، أحياناً أكتب النص دفعة واحدة ويعجبني عندما أعيد قراءته ولا أضيف أو أحذف منه إلا القليل. كثيراً ما أردد جملاً قبل كتابتها وأنا في الطريق مثلاً، ولكني أكتب أحياناً جملاً أخرى على الورقة. وأحياناً أعيد قراءة النص مراراً وأعيد صياغته مراراً إلى أن أشعر بأن النص قد أصبح قادراً على الخروج عن سلطتي وأحكامي.لا طقوس للكتابة لدي ولكنني أخجل من الكتابة في الأماكن العامة، وأحب أن أكون وحيداً عندما أكتب.
- أيهما باعثك على الكتابة: القلق .. الاطمئنان.. ؟ لنتحدث عن ارتباط الكتابة في حالة نفسية معينة لديك.
الاطمئنان لا يبعث إلا على الدعة، أما القلق فهو الباعث الأهم للإبداع، فالقلق يحكم البحث عن صواب أو جمال فكرة ما، ويحكم البحث عن أنسب الصيغ لفكرة أو حكاية أعتقد أنها هامة. إن البحث عن عالم أكثر جمالاً وعدلاً وحرية محكوم بالقلق، والكتابة في جانب منها ترجمة لقلق الإنسان في بحثه داخل ذاته وخارجها عن شروط أفضل لعيش أفراد الجنس البشري في هذا الكون.
ترتبط لحظة الكتابة عندي بقدر من التوتر والتهيب، لذلك أماطل كثيراً قبل أن أبدأ.
- التجربة الحياتية جزء مفصلي من تكوين الكاتب.. هل هي كذلك في تكوين النص الابداعي..؟باختصار ماهو تأثير المحيط بك؟
ذكرت أنني محصلة لما حصل في حياتي، ولهذا للمحيط أثر جوهري في كل ما أفعل، لا في كل ما أكتب فقط. المحيط مثلاً هو الذي يجعلني أجيب باللغة العربية، هو الذي يشعل الأحلام والأحزان والأفراح الصغيرة واليأس و....و....هو مصدر قوتنا وضعفنا هو الذي يسمح أو لايسمح لنا بأن نكتب، الوسط المحيط هو الذي يفتح أو يغلق دروباً أمامنا... لا أريد أن أطيل ، أريد أن أؤكد أن ما يحيط بنا يصنعنا لنعيد بدورنا صناعته.
- كيف تعيش الحب وماهي تجلياته في كتابتك، وماهو تأثيره المباشر والبعيد؟
الحب شديد الحضور في حياتي وفي كتاباتي، بمعناه الشامل وبمعناه الضيق، أي بارتباطه بالحياة وبارتباطه بالمرأة. الحب بمعناه الحي -أقصد كتجربة شخصية- هو أول مفتاح لي استخدمته للبحث عن عالم رحب يتسع للحب، وهو الذي منحني مشاعر كونية، هو الذي أيقظ في داخلي ينابيع الحزن وهو الذي فتح أمامي ما يكفي من السماوات للطيران. هو الذي جعلني أفكر بالعدالة وبالحرية وبحق الإنسان بأن يمنح آلاف الأعمار لكي يسبح في ملكوت الحب. وآلاف الأعمار لكي يسعد في ملكوت الحرية وآلاف الأعمار لكي يكون مزيجهما-الحب والحرية- حاضراً حول البشر وفي أرواحهم.
- هل لديك مشروع كتابي جديد؟
أحاول لملمة النصوص الشعرية التي كتبتها والتي نشرتها، وأحاول أن أكتب قصصاً، تحولت إلى هواجس في الفترة الأخيرة، وأكمل فيما تبقى من الوقت كتابة رواية، وسأسعى لنشر ما أنجزه أولاً.
- ككاتب كيف ترى المشهد الأدبي السوري..وهل ثمة حلم خاص بك يتعلق بمستقبل الكتابة بشكل عام؟
يؤسفني أن أقول أن هناك ركام من الكتابات في مختلف الأجناس الأدبية، تحتوي على القليل من النصوص الملفتة للانتباه. فكتاب الشعر مثلاً كثيرون أما الشعراء فقلائل. ويؤسفني أن أقول أن عدد القراء يقل ويتضاءل، لكي يحقق الكتاب غايته يحتاج إلى من يكتبه ويحتاج إلى من يقرأه، وكثيراً ما تكون رفوف المستودعات هي القارئ الوحيد لأغلب النسخ التي تصدر من هذا الكتاب أو ذاك، بغض النظر عن درجة أهمية الكتاب.
إن المبدع يحتاج إلى ما يكفي من الوقت والمال لكي يقدر على متابعة نشاطه الإبداعي والقارئ أيضاً يحتاج إلى ما يكفي من الوقت والمال . ولهذا آمل أن تتحسن الظروف المعيشية في سورية بحيث يساعد الإبداع في ميدان الأدب المبدعين على تأمين متطلبات عيشهم، وأن يمتلك القراء وقتاً للقراءة ومالاً لشراء الكتب.
أحلم أن تصبح الكتابة الإبداعية أوسع انتشاراً وتحققاً في مجتمعاتنا العربية، وأن لا تحتل الثقافة الاستهلاكية الحيز الذي ينبغي أن تحتله الثقافة الجادة، وأن يحل الخطاب الثقافي المعني بتطور المجتمع محل الخطاب الثقافي القائم على التملق أو المحاباة الكاذبة أو غير ذلك مما تحفل به مجلات وصحف عربية كثيرة. تلك هي أحلامي الصغيرة أما أحلامي الكبيرة، فهي أن تتحول سورية إلى منبر لإبداع لا يفنيه الدهر، وإلى قبلة لعشاق الإبداع والجمال والعدالة والحرية.