ليس الغريب غريب الشام و اليمن
أو
(غريب الدار)
قصيدة منسوبة للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام , سواء صحت نسبة هذه القصيدة للإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنهما أو لم تصح ، فهي لا شك نفثة عابد زاهد ورع ، وفيها من الأنوار والروحانية وصدق اللهجة ما يجعلنا نتغاضى عن الجوانب العروضية والناحية الفنية فيها ، فربما كان أصل القصيدة بيتاً أو أبياتاً قالها
أو كان يتمثل بها الإمام زين العابدين ، ثم تناقلتها الألسن وزاد فيها الرواة ، وقد يدل على ذلك رواياتها المختلفة ، وما فيها من زيادة ونقص واختلاف
.
وفي عصرنا هذا حيث طغت المادة، ونسي الناس الموت ورهبته ووحشته، والقبر ووحدته وخوافيه، والسؤال وأهواله وما فيه، تنشر طريق المسلم هذه القصيدة كما هي ، لعل الله تعالى ينفعنا وإياكم بها
..
ليس الغريب غريب الشام واليمن .... إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حقٌ لغربته .... على المقيمين في الأوطان والسكــــن
لا تنهـــرنَّ غريبـــاً حـــال غربتـــه..... الـــدهــر ينهــره بالذل والمحـــن
سفــري بعيد وزادي لن يبلغني..... وقوتي ضعفت والمـوت يطلبنــي
ولــي بقــايا ذنــوب لست أعلمــها.... اللــه يعلمها فــي السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني.... وقد تماديت في ذنبي ويسترنـي
تــمرُّ ســاعــات أيــامــي بــــلا نــدمٍ.... ولا بكــــاء ولا خــوفٍ ولا حَــزَنِ
أنا الذي أُغلق الأبواب مجتهداً ... على المعاصي وعين الله تنظرنـــي
يا زلةً كُتبت في غفلة ذهبت... يا حسرةً بقيت في القلب تُحرقنــــي
دعني أنوح على نفسـي وأندبها.... وأقطــع الدهــر بالتذكيــر والحــزَن
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني...لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أسحُّ دموعاً لا انقطاع لهـا... فهل عسى عبرةٌ منها تُخلصنـــي
كأننــي بين جــلِّ الأهــل منطرحٌ .... علـى الفراش وأيديهــم تُقلبنــي
وقد تجمَّع حولي مَن ينوح ومــن.... يبكــي علــيَّ وينعانــي ويندبنــي
وقد أتوا بطبيب كــي يُعالجنــي.... ولــم أرَ الطب هــذا اليــوم ينفعنــي
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها....مـن كــل عــِرقٍ بلا رفــقٍ ولا هـونِ
واستخرج الروح مني في تغرغرها.... وصار ريقي مريرا حيــن غرغرنــي
وقام من كان حِبَّ الناس في عجَلٍ.....نحو المغسل يأتيني يُغسلنـــي
وقـــال يـــا قـــوم نبغــي غـــاســـلاً حــذِقاً.... حـــراً أديبـــاً عــارفاً فطِــنِ
فجاءني رجلٌ منهـم فجرَّدنـــي ..... مـــن الثيـــاب وأعرانـــي وأفردنـــي
وأودعونــي على الألواح منطرحاً.... وصار فوقــي خرير المــاء ينظفنـــي
وأسكب الماء من فوقي وغسَّلنـي.. غَسلاً ثلاثاً ونادى القــوم بالكفــنِ
وألبسونــي ثياباً لا كِمــام لهــا.... وصــار زادي حنوطــي حين حنَّطنــي
وأخرجونــي مـن الدنيـا فــوا أسفــا... علــى رحيلــي بــلا زاد يُبــلغنــي
وحمَّلوني علــى الأكتاف أربعــةٌ ... مــن الرجال وخلفي مــنْ يشيعــني
وقدَّمونــي إلــى المحراب وانصرفوا ... خلــف الإمــام فصلــى ثـم ودعني
صلـوا علـــيَّ صلاةً لا ركــــوع لهـــا... ولا سجـــود لعـــل اللــه يرحــمنــي
وكشَّف الثوب عن وجهي لينظرني.... وأسبل الدمع من عينيه أغرقنـــي
فقام مُحترماً بالعــزم مُشتمــلاً... وصفــف اللبُــن مــن فوقــي وفــارقنــي
وقال هُلواعليه الترب واغتنموا .... حسـن الثواب مــن الرحمن ذي المنـن
فــــي ظلمـــة القبـــر لا أمٌ هنــــاك ولا .... أبٌ شفيــــقٌ ولا أخٌ يُؤنسنـــي
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت.... من هول مطلع ما قد كان أدهشنـي
من منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهــم...... قــد هـــالني أمرهـــم جــداً فــأفزعنـــي
وأقعدوني وجدوا في سؤالهـمُ ... ما لــي ســـواك إلهـــي مـــنْ يُخلصنــي
فامـنن علـــيَّ بعفـــوٍ منـــك يا أملــــي.... فإننــــي موثقٌ بالذنب مرتَهَـــنِ
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا...... وصــار وزري علـــى ظهري فأثقلنــي
واستبدلت زوجتي بعلاً لها بدلــي... وحكَّمتــه علـــى الأمــــوال والسكـــن
وصيَّــرت ولـــدي عبـــداً ليخدمهــــا.... وصــار مالــي لهـــم حــلاً بـــلا ثمـــنِ
فلا تغرنك الدنيـا وزينتهـــا..... وانظــر إلـــى فعلهـــا فـــي الأهـــل والــوطـــن
وانظر إلى من حوى الدنيــا بأجمعهــا.... هل راح منهــا بغير الحنط والكفــن
خذ القناعة من دنيـاك وارضَ بهــا.... لــو لـــم يكـــن لـــك إلا راحـــة البــدن
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي... فعــلا جميــلاً لعــل اللــه يرحمنــي
يانفسُ ويحكِ توبي واعملي حسنا... عسى تُجازين بعد الموت بالحســنِ
ثم الصلاة على المختار سيدنا مـا .... وضّأ البرق فــي شامٍ وفـــي يمــــن
والحمـد للــه ممســـينا ومصبحــنا ... بالخيــر والعفـــو والإحســان والمنن
تحياتي